للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووسائل الطاعات والقربات في محبَّتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل، فإذا حرم الرَّب تعالى شيئًا وله طرق ووسائل تُفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقًا لتحريمه، وتثبيتًا له، ومنعًا أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم، وإغراء للنُّفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء، بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك؛ فإنَّ أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء، ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه لعُدَّ متناقضًا، ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده، وكذلك الأطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه، وإلا فسد عليهم ما يرومون إصلاحه، فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال؟ ومن تأمَّل مصادرها ومواردها علم أنَّ الله تعالى ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرَّمها ونهى عنها ... " (١).

ولكن الغلو في مشايخهم قادهم إلى إلحاقهم بما لا يستحقونه قال الشاطبي - رحمه الله -: "ومنها رأيُ قومٍ تغالوا في تعظيم شيوخهم، حتى ألحقوهم بما لا يستحقونه، فالمقتصد فيهم يزعم أنه لا وليَّ لله أعظم من فلان، وربما أغلقوا باب الولاية دون سائر الأمة إلا هذا المذكور، وهو باطلٌ محض، وبدعة فاحشة" (٢).

ويصف عبد الرحمن الوكيل غلو المريد مع شيخه فيقول: "ما ألحفت الصوفية في شيءٍ إلحافها في الدعوة إلى اتخاذ شيوخها أربابًا من دون الله، ففرضت على


(١) إعلام الموقعين ٣/ ١٠٨.
(٢) الاعتصام ١/ ٢٥٨.

<<  <   >  >>