للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدرويش (١) أن يكون وطاءً ذليلًا لشيخه مستعبد الفكر سليب الإرادة كجُثَّة الميت في يد الغاسل، وجعلت هذه العبودية الممتهنة أولى الدلائل على طاعة المريد لشيخه، وعلى حبه له، وعلى أن يرقى معارج الوصول إلى حضائر القدس" (٢).

وإذا كان الأنبياء قد عُصموا فيما يبلغونه عن الله - عز وجل - ولا يجوز إقرارهم عن خطأ يصدر منهم في شيءٍ يبلِّغونه عن الله، فهل هؤلاء الشيوخ بلغوا مرتبتهم فلا يُسألون ولا يُعارضون؟ كما يقول ابن عجيبة: "من قال لشيخه: لا، لا يفلح أبدًا" (٣).

قال ابن تيمية - رحمه الله -: "اتفق المسلمون على أنهم -يعني الأنبياء- معصومون فيما يبلغونه عن الله، فلا يجوز أن يقرهم على الخطأ في شيءٍ مما يبلغونه عنه، وبهذا يحصل المقصود من البعثة، وأمَّا وجوب كونه معصومًا قبل أن يبعث نبيًّا لا يخطئ أو يذنب فليس في النُّبوة ما يستلزم هذا" (٤).

وقال ابن عقيل - رحمه الله - وهو يصف حال المريد مع شيخه: "ويسلِّمون أنفسهم إلى شيوخهم، فإن عوَّلوا إلى مرتبة شيخه قيل: الشيخ لا يعترض عليه، فحدُّ من حلَّ رسن ذلك الشيخ وانحطاطه في سلك الأقوال المتضمِّنة للكفر والضلال المسمَّى شطحًا وفي الأفعال المعلومة كونها في الشريعة فسقًا، فإن قبل أمردًا قيل رحمة، وإن خلا بأجنبية قيل بنته وقد لبست الخرقة (٥)، وإن قسم ثوبًا على غير أربابه من غير رضا مالكه قيل حكم الخرقة" (٦).


(١) الدرويش: الزاهد، الفقير المتعبِّد، الجوال عند الصوفية. ينظر: مجمع اللغة العربية المعاصرة ١/ ٧٤٢.
(٢) هذه الصوفية، ص ٩٩.
(٣) الفتوحات الإلهية ٢/ ١١، طبعة البابي الحلبي على هامش إيقاظ الحكم.
(٤) منهاج السُّنَّة ٢/ ٣٩٦.
(٥) عبارة عن قميص يلبسه الشيخ للمريد الذي يدخل في إرادته، وهي علامة التفويض والتسليم لدخول المريد في حكم الشيخ. ينظر: عوارف المعارف، ص ٩٢، معجم اصطلاحات الصوفية، ص ١٧٨.
(٦) نقله ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس، ص ٤٤٩.

<<  <   >  >>