للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خالفه فهو مردود على قائله، وفاعله كائنًا من كان" (١).

وابن عجيبة كغيره من الصوفية (٢) الذين يعتقدون السرَّ (٣) في شيخ الطريقة، فقد وضَّح هذا بقوله في تعريف العلم المخزون الذي تدَّعيه الصوفية: هو العلم الموهوب الذي يفيض على القلوب من حضرة علام الغيوب، لا يناله بحيلة ولا اكتساب، ولا يؤخذ من دفتر ولا كتاب، وإنما من حضرة الكمال مع حكمة صحبة الرجال، أو بمحض الفضل والنوال، وهي أسرار الربوبية التي أخفاها الله عن خلقه، ولم يطلع عليها إلا خواص أوليائه، فإذا نطقوا بها مع غير أهلها ردوا عليهم، وربما أباحوا دمائهم، ومنها الاطلاع على أسرار القدر وعجائب المغيبات ... (٤).

ولقد بيَّن أئمة السُّنَّة في ردودهم هذا الانحراف في المعتقد، قال ابن تيمية - رحمه الله -: "ولكن لقولهم سرٌّ خفيٌّ وحقيقة باطنة لا يعرفها إلا خواص الخلق، وهذا السرُّ هو أشدُّ كفرًا وإلحادًا من ظاهره؛ فإنَّ مذهبهم فيه دقة وغموض وخفاء، قد لا يفهمه كثير من الناس.


(١) تفسير القرآن العظيم ٣/ ٣٠٧.
(٢) ينظر: إحياء علوم الدين ١/ ٥٤.
(٣) السِّر في اللغة هو: إخفاء الشيء وكتمه، قال ابن فارس: السين والراء يجمع فروعه إخفاء الشيء، وما كان من خالصه ومستقره، ولا يخرج شيءٌ منه عن هذا، فالسِّر: ما تكتمه وتخفيه، خلاف الإعلان، يقال: أسررت الشيء إسرارًا: إذا أخفيته، خلاف أعلنته، وهو أيضًا ما يسره المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها، أمَّا في اصطلاح الصوفية: فهو: لطيفةٌ مودعةٌ في القلب كالرُّوح في البدن، وهو محلُّ المشاهدة، كما أنَّ الروح محل المحبة، والقلب محل المعرفة.
وسِرُّ الربوبية: ظهور الرَّبِّ بصور الأعيان، فهي من حيث مظهريتها للرَّبِّ القائم بذاته، الظاهر بتعيُّناته، قائمة به، وموجودة بوجوده، فهي عبيد مربوبون في هذه الحيثية، والحقُّ ربٌّ لها، فما حصلت الربوبية إلا بالحق والأعيان معدومة بحالها في الأزل. ينظر: مقاييس اللغة ٣/ ٦٧، القاموس المحيط، ص ٣٦٦، مختار الصحاح، ص ١٢٤، الرسالة القشيرية، ص ٩٧، المعجم الصوفي، ص ١٢٣٣، الموسوعة الصوفية، ص ٧٩١ - ٧٩٢.
(٤) ينظر: إيقاظ الهمم، ص ٦٢٧.

<<  <   >  >>