للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا تجد كثيرًا من عوام أهل الدين والخير والعبادة ينشد قصيدة ابن الفارض (١)، ويتواجد عليها ويعظمها ظانًّا أنها من كلام أهل التوحيد والمعرفة، وهو لا يفهمها ولا يفهم مراد قائلها.

وكذلك كلام هؤلاء يسمعه طوائف من المشهورين بالعلم والدين، فلا يفهمون حقيقته.

فإمَّا أن يتوقفوا عنه، أو يعبروا عن مذهبهم بعبارة من لم يفهم حقيقة؛ وإما أن ينكروه إنكارًا مجملًا من غير معرفةٍ بحقيقته، ونحو ذلك، وهذا حال أكثر الخلق معهم.

وأئمتهم إذا رأوا من لم يفهم حقيقة قولهم طمعوا فيه، وقالوا: هذا من علماء الرسوم، وأهل الظاهر، وأهل القشر، وقالوا: علمنا هذا لا يعرف إلا بالكشف والمشاهدة، وهذا يحتاج إلى شروط، وقالوا: ليس هذا عشك فادرج عنه، ونحو ذلك مما فيه تعظيمٌ له وتشويقٌ إليه، وتجهيلٌ لمن لم يصل إليه، وإن رأوه عارفًا بقولهم نسبوه إلى أنه منهم وقالوا: هو من كبار العارفين ... فضلالهم عظيم وإفكهم كبير وتلبيسهم شديد، والله تعالى يظهر ما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله" (٢).


(١) أبو حفص وأبو القاسم، عمر بن علي بن مرشد الحموي المصري، شاعرٌ صوفي، شيخ الاتحادية، لقبه: (سلطان العاشقين)، قُتل بفتوى من العلماء لإلحاده، يُعتبر شهيدًا عند الصوفية، في قصيدته (التائية) القول بـ (وحدة الوجود)، يقول الذهبي عن قصيدته: (فإن لم يكن في تلك القصيدة صريح الاتحاد الذي لا حيلة في وجوده، فما في العالم زندقة ولا ضلال، توفي سنة ٥٣٢ هـ، وعمره ست وخمسون سنة. ينظر: سير أعلام النبلاء ١٦/ ٢٦٥، وفيات الأعيان ٢/ ٢١٦.
(٢) مجموع الفتاوى ٢/ ٣٩٧.

<<  <   >  >>