للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي المخلوقات المعبدة ممن سواه ويبقى من لم يزل وهو الرب تعالى ... وهذا الموضع زل فيه أقوام وظنُّوا أنه اتحاد وأنَّ المحب يتحد بالمحبوب حتى لا يكون بينهما فرق في نفس وجودهما، وهذا غلط؛ فإنَّ الخالق لا يتحد به شيءٌ أصلًا بل لا يتحد شيءٌ بشيءٍ إلا إذا استحالا وفسدا وحصل من اتحادهما أمر ثالث لا هو هذا ولا هذا كما إذا اتحد الماء واللبن والماء والخمر ونحو ذلك، ولكن يتحد المراد والمحبوب والمكروه ويتفقان في نوع الإرادة والكراهة فيحب هذا ما يحب هذا، ويبغض هذا ما يبغض هذا ويرضى ما يرضى ويسخط ما يسخط ويكره ما يكره ويوالي من يوالي ويعادي من يعادي وهذا الفناء كله فيه نقص، وأكابر الأولياء كأبي بكر وعمر والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لم يقعوا في هذا الفناء فضلًا عمَّن هو فوقهم من الأنبياء، وإنما وقع شيءٌ من هذا بعد الصحابة - رضي الله عنهم -.

وأمَّا النوع الثالث: مما قد يسمى فناء فهو أن يشهد أن لا موجود إلا الله وأن وجود الخالق هو وجود المخلوق فلا فرق بين الرب والعبد، فهذا فناء أهل الضلال والإلحاد الواقعين في الحلول والاتحاد ... وهو تحقيق آل فرعون" (١).

والملاحظ من تعريف ابن عجيبة للولي أنه جعل معرفة الولي تكون عمَّن صدر عنه كشفٌ، وهذا لا شك في بطلانه.

قال ابن تيمية - رحمه الله -: "وتجد كثيرًا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليًّا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة ... وليس في شيءٍ من هذه الأمور ما يدلُّ على أن صاحبها ولي لله؛ بل قد اتفق أولياء الله على أنَّ الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يُغترَّ به حتى ينظر متابعته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وموافقته لأمره ونهيه.


(١) مجموع الفتاوى ١٠/ ٢٨٨.

<<  <   >  >>