للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن أبي العز - رحمه الله -: "يَعدُّون مجرَّد خرق العادة لأحدهم أنه كرامة من الله - عز وجل - له، ولا يعلمون أنه في الحقيقة إنما الكرامة لزوم الاستقامة ... وأمَّا ما يبتلي الله - عز وجل - به عبده من السر بخرق العادة أو بغيرها أو بالضراء فليس ذلك لأجل كرامة العبد على ربه ولا هوانه عليه، بل قد سعد بها قوم إذا أطاعوه، وشقي بها قوم إذا عصوه" (١).

وقال الشوكاني - رحمه الله -: "وإذا عرفت أنه لا بدَّ للولي من أن يكون مقتديًا في أقواله وأفعاله بالكتاب والسُّنَّة، وأنَّ ذلك هو المعيار الذي يعرف به الحق من الباطل، فمن ظهر منه شيء مما يخالف هذا المعيار فهو ردٌّ عليه، ولا يجوز لأحد أن يعتقد فيه أنه وليُّ الله، فإنَّ أمثال هذه الأمور تكون من أفعال الشياطين، كما نشاهده في الذين لهم تابع من الجنِّ فإنه قد يظهر على يده ما يظن من لم يستحضر هذا المعيار أنه كرامة، وهو في الحقيقة مخاريق شيطانية وتلبيسات إبليسية.

ولهذا تراه يظهر من أهل البدع، بل من أهل الكفر وممن يترك فرائض الله سبحانه ويتلوَّث بمعاصيه؛ لأنَّ الشيطان أميل إليهم للاشتراك بينه وبينهم في مخالفة ما شرعه الله سبحانه لعباده.

وقد يظهر شيءٌ مما يظن أنه كرامة من أهل الرياضة وترك الاستكثار من الطعام والشراب على ترتيب معلوم، وقانون معروف حتى ينتهي حاله إلى أن لا يأكل إلا في أيام ذوات العدد، ويتناول بعد مضي أيام شيئًا يسيرًا، فيكون له بسبب ذلك بعض صفاء من الكدورات البشرية، فيدرك ما لا يدركه غيره، وليس هذا من الكرامات في شيء" (٢).


(١) شرح العقيدة الطحاوية ٢/ ٧٤٨.
(٢) قطر الولي على حديث الولي، ص ٢٣٧.

<<  <   >  >>