للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقعَّد الشاطبيُّ ضابطًا هامًّا لصحَّة هذا الكرامات وقبولها فقال: "وذلك أنَّ هذه الأمور لا يصح أن ترُاعى وتعتبر إلا بشرط أن لا تخرم حكمًا شرعيًّا ولا قاعدةً دينيَّة، فإنَّ ما يخرم قاعدة شرعية أو حكمًا شرعيًّا ليس بحقٍّ في نفسه، بل هو إمَّا خيالٌ أو وهم، وإمَّا من إلقاء الشيطان ... وذلك أنَّ التشريع الذي أتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامٌّ لا خاص ... وأصله لا ينخرم، ولا ينكسر له اطراد، ولا يحاشى من الدخول تحت حكمه مكلَّف، وإذا كان كذل فكلُّ ما جاء من هذا القبيل الذي نحن بصدده مضادًّا لما في الشريعة فهو فاسدٌ باطل" (١).

وقال أيضًا: "ليس القصد بالكرامات والخوارق أن تخرق أمرًا شرعيًّا، ولا أن تعود على شيءٍ منه بالنقض، كيف وهي نتائج عن اتباعه؟ فمحالٌ أن ينتج المشروع ما ليس بمشروع، أو يعود الفرع على أصله بالنقض، هذا لا يكون البته" (٢).

وبيَّن الشيخ سليمان بن عبد الله - رحمه الله - الفرق بين الكرامة واستدراج الشيطان بقوله: "إذا كان الشخص مخالفًا للشرع فما يجري له من هذه الأمور ليس بكرامة، بل هي إمَّا استدراج، وإمَّا من عمل الشياطين، ويكون سببها هو ارتكاب ما نهى الله عنه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّ المعاصي لا تكون سببًا لكرامة الله - عز وجل -، ولا يستعان بالكرامات عليها" (٣).

ولذلك من ادعى أو زعم أنَّ لدية القدرة على معرفة الغيب فإنه كاذب، فالغيب لله - عز وجل -.

ولقد تلاعب الشيطان بالصوفية في مسألة الخوارق، حتى إنَّك لتجدهم كثيرًا


(١) الموافقات ٢/ ٢٦٦.
(٢) الموافقات ٢/ ٢٧٢.
(٣) تيسير العزيز الحميد، ص ٣٩٧.

<<  <   >  >>