للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لله، فكرامات أولياء الله سببها الإيمان والتقوى، فمن كانت خوارقه تحصل عند الشرك بالله، مثل دعاء الميت، أو الاطلاع على المغيَّبات فهذه من خوارق أعداء الله لا من كرامات أولياء الله (١).

قال ابن حجر - رحمه الله -: "إنَّ الذي استقرَّ عند العامَّة أنَّ خرق العادة يدلُّ على أن من وقع له ذلك من أولياء الله تعالى، وهو غلطٌ ممن يقوله؛ فإن الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب، فيحتاج من يستدلُّ بذلك على ولاية أولياء الله تعالى إلى فارق، وأولى ما ذكروه أن يختبر حال من وقع له ذلك، فإن كان متمسِّكًا بالأوامر الشرعية والنواهي كان ذلك علامة ولايته ومن لا فلا" (٢)، ومع ذلك فإن أهل العلم بيَّنوا أنَّ الوليَّ ليس بمعصوم بل يجوز عليه ما يجوز على سائر عباد الله المؤمنين، وكرامات الصالحين دلَّت على صحة الدين الذي جاء به الرسول لا على أنَّ الوليَّ معصومٌ وتجب طاعته (٣).

وقد ذهب ابن عجيبة إلى أنَّ الكرامة الحسيَّة ليست معتبرة، فهي تظهر على يد من لم تكمل استقامته، وهذا حقٌّ كما بيَّنه أهل العلم، ثم بعد ذلك يذهب إلى أنَّ الكرامة المعتبرة: الفهم عن الله، والرضا بقضاء الله، وترك التدبير، وهي المعتبرة عند المحققين -يقصد الكرامة المعنوية - أمَّا الحسيَّة فلا يطلبونها ولا يلتفتون إليها (٤).

ويريد ابن عجيبة أن يصل إلى أبعد من هذا عند ذمِّه للكرامة الحسيَّة؛ لأنها حسب زعمه مانعة له من مشاهدة الوحدة، وكشف الحجاب بينه وبين الله - تعالى


(١) ينظر: مجموع الفتاوى ١١/ ٢١٣، ٣٠٢.
(٢) فتح الباري ٧/ ٤٤٣.
(٣) ينظر: النبوات، ص ١٩ - ٢٠، قطر الولي، ص ٢٤٨.
(٤) ينظر: إيقاظ الهمم، ص ٣١٧ - ٣١٨.

<<  <   >  >>