للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقولون: النصارى إنما كفروا لما خصصوا المسيح بأنه هو الله، ولو عمَّموا لما كفروا.

وكذلك يقولون في عباد الأصنام: إنما أخطأوا لما عبدوا بعض الظاهر دون بعض، فلو عبدوا الجميع لما أخطأوا عندهم، والعارف المحقق عندهم لا يضرُّه عبادة الأصنام" (١).

ثم وضَّح مباينة الحلول والاتحاد بقوله: "حقيقة قول هؤلاء: إن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتة، ولهذا من سماهم حلولية أو قال هم قائلون بالحلول رأوه محجوبًا عن معرفة قولهم خارجًا عن الدخول إلى باطن أمرهم؛ لأن من قال: إنَّ الله يحل في المخلوقات فقد قال بأن المحل غير الحال وهذا تثنية عندهم وإثبات لوجودين، أحدهما وجود الحق الحال، والثاني وجود المخلوق المحل وهم لا يقرون بإثبات وجودين البتة" (٢).

وقال أيضًا: "وأمَّا وجه تسميتهم اتحادية ففيه طريقان، أحدهما: لا يرضونه؛ لأن الاتحاد على وزن الاقتران، والاقتران يقتضي شيئين اتحد أحدهما بالآخر وهم لا يقرون بوجودين أبدًا، والطريق الثاني: صحة ذلك بناء على أن الكثرة صارت وحدة" (٣).

ولهذا قال ابن عجيبة: "وقد يطلقون الاتحاد على الوحدة" (٤).

ورأى ابن تيمية - رحمه الله -: "أنَّ كلَّ واحدٍ من الاتحاد والحلول إمَّا معيَّن في شخص وإمَّا مطلق، فالمعيَّن كقول النصارى والغالية من الأئمة من الرافضة، وفي المشايخ من جهال الصوفية فإنهم يقولون بالتعيين كاتحاد الله بالماء كاليعقوبية (٥) من النَّصارى أو


(١) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص ١١٤ - ١١٥.
(٢) مجموع الفتاوى ٢/ ١٤٠.
(٣) المرجع نفسه ٢/ ١٤١.
(٤) إيقاظ الهمم، ص ٨٥.
(٥) اليعقوبية: أصحاب يعقوب، قالوا بالأقانيم الثلاثة: إلا أنهم قالوا انقلبت الكلمة لحمًا ودمًا، فصار الإله هو المسيح، وهو الظاهر بجسده بل هو هو، وزعم أكثر اليعقوبية أنَّ المسيح جوهر واحد، أقنوم واحد إلا أنه من جوهرين، وربما قالوا طبيعة واحدة من طبيعتين. ينظر: الملل والنحل ٢/ ٣٠.

<<  <   >  >>