للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العام يفسر بامتثال الأمر، ومن شرط المحب أن يكون مطيعًا، وهذا الذي عناه بعض شيوخ الطريق حين وضع الحب في المقامات لا في الأحوال، فيكون الحبُّ هنا منظورًا إليه بعين الكسب بالأعمال، وهو أيضًا صحيح، ولكنه حبٌّ عامٌّ يدخل فيه كل أهل طاعة الله كسبًا بطاعتهم، والحب الخاص الذي هو من أعلى وأرقى المقامات الموهوبة -عند الصوفية- هو حب الذات للذات هبة من الله وفضلًا، وينشأ عن مطالعة الروح، وهو من نور الله إلى تجلي نور الله على الكائنات والعوالم، وهو من اصطفاء الله ومنَّته على عبده كما قلنا، وهذا الحبُّ ليس للكسب فيه دخل، ولذلك كان من أشرف الأحوال وأجلِّ المذاهب الإلهية" (١).

بل يزعمون أنَّ المحبة الخاصة محبة وهبية، واصطفاء من الله - عز وجل -.

يقول الكلاباذي (٢) في وصف هذه المحبة: "المحبة على وجهين: محبة الإقرار، وهي للخاص والعام، ومحبة الوجد من طريق الإصابة فلا يكون فيه رؤية النفس والخلق، ولا رؤية الأسباب والأحوال بل يكون مستغرقًا في رؤية ما لله وما منه" (٣).

وهذا القول خطير؛ فالصوفي ليس بحاجة -كما يزعمون- إلى صلاة ولا صيام ولا طاعة، بل ينتظر اصطفاء الله - عز وجل - له، عند ما تتجلَّى الأنوار إلى قلبه.

وإن تعجب فعجبٌ قولهم، فالله - عز وجل - ذكر في كتابه الاصطفاء، أي اصطفاء الملائكة، والرسل ومع ذلك أمرهم بطاعته.

قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ


(١) جمهرة الأولياء ١/ ٢٤١.
(٢) أبو بكر، محمد بن أبي إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب الكلاباذي البخاري، من أهل بخارى، ومن أهل الحديث والفقه والأصول، توفي سنة ٣٨٠ هـ. ينظر: الفوائد البهية في تراجم الحنفية، ص ٢٠٩.
(٣) التعرف لمذهب التصوف، ص ١١٠.

<<  <   >  >>