للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد قال عن نفسه: "ولقد كنتُ حين دخلتُ في طريق القوم، وحصل لي الإذن من الشيخ في تذكير الناس نطوف عليهم في المداشر والقبائل نعلمهم الدين، وندلهم عليه، فعلت ذلك ثلاث سنين أو أكثر، وها نحن ما زلنا على ذلك ... فنحن والحمد لله نُعلِّم الناس التوحيد الخاص في المداشر (١)، والقبائل، والمساجد، والجوامع لمن قدر عليه، ومن لم يقدر علمناه ما يقدر من توحيد الدليل، حتى يفتح الله سبحانه عليه في توحيد العيان" (٢).

ولهذا كان من المهتمين بالطريقة الدرقاوية والداعين إليها وبلغ اهتمامه بها أنه كان يُنشئ مع كل دار له زاوية معمورة بالفقراء، ويخرج لهم الطعام في كل الفترات، ويجعل في كل زاوية فقيهًا، ومؤذِّنًا مرتاحًا (٣).

وكان ابن عجيبة في الغالب موافقًا للانتقادات التي أبداها ابن البنا في منظومته في التصوف، والذي يعتبر ابن عجيبة أشهر شراحها.

فهذه طريقة قد درست ... وشجر أغصانها قد يبست

كانت إذن مواردًا شريفة ... فاستبدلت مذاهبًا سخيفة

قد أُسِّست على صحيحِ العقل ... وأسُّها الآن بمحض الجهل

كانت تضاهي الكوكب المنيرا ... والآن أضحت حائطًا قصيرا (٤).

فلقد شرح ابن عجيبة البيت الأخير بقوله: "كانت طريقة القوم رفيعة القدر عالية الشأن تضاهي أي تشابه أو تحاكي الكوكب المضيء في الرفعة ... والآن صار


(١) المداشر: كلمة مغربية تطلق على القرية الصغيرة، ينظر: الفهرسة، ص ١٦.
(٢) الفهرسة، ص ٧٦.
(٣) الفهرسة، ص ٨٧، طيب الأنفاس في تاريخ بعض زوايا وأضرحة فاس، ص ٥٤ - ٥٥.
(٤) المباحث الأصلية، ص ٣٤٩ - ٣٥٠.

<<  <   >  >>