للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينتسب إليها الأشرار والفُجَّار فتجد فيها هذا قائد وهذا باشا وغير ذلك، فمنهم من يتخذها حصنًا يتحصَّن بها من عواقب ظلمة يظن ذلك ينفعه بزعمه، ومنهم من يتخذها حرفة فصارت كالحائط القصير يتخطاه القوي والضعيف، وسبب ذلك عدم سقوطهم على شيخ التربية" (١).

ولكن ابن عجيبة لم يكن ليرتضي سحب هذا التعميم الذي قال به ابن البنا على سائر الطوائف الصوفية، فهو يقول: "لا تخلو الأرض من قائم لله بحُجَّته، وشيخ التربية لا يخلو الزمان منه أبدًا؛ إذ لا يمكن أن يكون القطب إلا بعد التربية وهو لا تخلو الأرض منه كما هو مقرَّرٌ عند أهل الفن ... " (٢)، وتعتبر الطريقتان العيساوية والحمدوشية من الطرق الصوفية في عهد ابن عجيبة والتي ظهرت فيها بدعٌ أوضحت عن سذاجتها، فالطريقة العيساوية التي تنسب لمحمد بن عيسى الفهدي المكناسي، كان معظم اتباعها من العوام الذين كانوا يقومون بأعمال قبيحة، من افتراس لحوم الغنم والبقر قبل موتها بعد أن يبقروا بطونها ويمزقوا أحشاءها، فتتلوث أبدانهم وثيابهم بالدماء، ويأكلون تلك اللحوم الملوثة بها وبغيرها من الفضلات (٣)، وكذلك طائفة الحمادشة التي تنسب إلى علي بن محمد حمدوش الشريف، والذي عرف بالجذب إلى حدِّ فقدان الوعي حيث يصير أحيانًا كالأسد يضرب الناس بكلِّ ما يقع بين يديه من حجارة أو آنية (٤)، وانتسب إليه جماعة عرفوا بحمادشة مارسوا أعمالًا بدعية قبيحة فهم "يجلبون على رؤوسهم بالمعاول والفؤوس، فتسيل دماء رؤوسهم على وجوهم وثيابهم، وأرعبوا


(١) شرح المباحث الأصلية، ص ٣٥١.
(٢) البحر المديد ٢/ ٢٧١.
(٣) ينظر: تاريخ تطوان ٣/ ٢١٢، منهج ابن عجيبة في التفسير ١/ ٧٨.
(٤) سلوة الأنفاس ١/ ٣٥٤.

<<  <   >  >>