للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا من لم يأخذ العلم عن العلماء النقاد الذين امتن الله - عز وجل - عليهم بفهم الكتاب والسُّنَّة وفق فهم السلف الصالح حتمًا سيقع في أودية الجهل والضلال متخذًا رؤساء جهلاء يسألهم.

قال نبيُّنا محمَّد - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وَأضَلُّوا» (١).

وما فعله ابن عجيبة -من لي أعناق النصوص- غايته أن يبرهن لقوله، ويشهد لذلك قول المستشرق نيكلسون -وهو باحث متخصص في التصوف (٢) -: "ولا يمكن أن يكون القرآن أساسًا لأيِّ مذهبٍ صوفي، ومع ذلك استطاع الصوفية متبعين في ذلك الشيعة أن يبرهنوا بطريقة التأويل نصوص الكتاب والسُّنَّة تأويلًا يلائم أغراضهم، على أن كل كلمة في القرآن وراءها معنى باطنًا لا يكشفه الله تعالى إلا للخاصة من عباده الذين تشرق هذه المعاني في قلوبهم في أوقات وجدهم، ومن هنا نستطيع أن نتصور كيف سهل على الصوفية بعد أن سلَّموا بهذا المبدأ أن يجدوا دليلًا من القرآن لكل قولٍ من أقوالهم، ولأي نظرية من نظرياتهم أيًّا كانت، وأن يقولوا: إن التصوف ليس في الحقيقة إلا العلم الباطن الذي ورثه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " (٣).


(١) أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم ١/ ٣١، رقم ١٠٠.
(٢) هو: رينولد ألين نيكولوسون، مستشرق إنجليزي، تعلَّم العربية والفارسية، درَّس في جامعة كيمبردج، تخصص لغات شرقية وآدابها، له مصنفات منها: الصوفية في الإسلام، فكرة الشخصية في التصوُّف، وغيرها، مات سنة ١٩٤٥. ينظر: الموسوعة العربية الميسرة، ٢/ ١٨٦٨.
(٣) في التصوف الإسلامي وتاريخه، ص ٧٦.

<<  <   >  >>