وقال بعض الحكماء: لا تدع الحيلة في التماس الرزق بكل مكان فإن الكريم محتال والدنيّ عيّال، وقال:
فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسارٍ أو تموت فتعذرا
ولا ترض من عيشٍ بدونٍ ولا تنم ... وكيف ينام الليل من كان معسرا
وتقول العرب: كلب جوّال خير من أسد رابض. وتقول أيضاً: من غلى دماغه صائفاً غلت قدره شاتياً.
ووقع عبد الله بن طاهر: من سعى رعى، ومن لزم المنام رأى الأحلام.
وقال الكسرويّ: أخذ من توقيع أنوشروان بالفارسية هرك روذ خرذ هرك خسيذ خاف وينذ، وأنشد:
كفى حزناً أن النوى قذفت بنا ... بعيداً وأن الرزق أعيت مذاهبه
ولو أننا إذ فرّق الدهر بيننا ... غني واحدٌ منا تموّل صاحبه
ولكننا من دهرنا في مؤونةٍ ... يكالبنا طوراً وطوراً نكالبه
ولآخر:
إذا المرء لم يبغ المعاش لنفسه ... شكا الفقر أو لام الصديق فأكثرا
وصار على الأذنين كلاًّ وأوشكت ... صلات ذوي القربى له أن تنكَّرا
ولآخر:
ومن يك مثلي ذا عيالٍ ومقتراً ... من المال يطرح نفسه كل مطرح
ليبلغ عذراً أو ينال غنيمةً ... ومبلغ نفسٍ عذرها مثل منجح
ولآخر:
وليس الرزق عن طلب حثيثٍ ... ولكن ألق دلوك في الدلاء
تجيء بمثلها يوماً ويوماً ... تجيء بحمأةٍ وقليل ماء
ولآخر:
وقد علمت وعلم المرء ينفعه ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيعنّيني تطلّبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنّيني
ولآخر:
لعمرك ما كل التبطّل ضائرٌ ... ولا كل شغلٍ فيه للمرء منفعه
إذا كانت الأرزاق في القرب والنوى ... عليك سواءً فاغتنم لذّة الدّعه
وإن ضقت فاصبر يفرج الله ما ترى ... ألا كل ضيق في عواقبه سعه
ولآخر:
سهّل عليك فإن الأمر مقدور ... وكل مستأنفٍ في اللوح مسطور
يأتي القضاء بما فيه لمدته ... وكل ما لم يكن فيه فمحظور
لا تكذبنّ وخير القول أصدقه ... إن الحريص على الدنيا لمغرور
ولآخر:
لا يتعبنّك شيءٌ أنت تطلبه ... وقد تقدمك المقدور والقلم
ولآخر:
لا تعتبن على العباد فإنما ... يأتيك رزقك حين يؤذن فيه
ولآخر:
هي المقادير تجري في أعنتها ... فاصبر فليس لها صبرٌ على حال
يوماً تريش خسيس القوم ترفعه ... دون السماء ويوماً تخفض العالي
ولآخر:
اصبر على زمنٍ جمٍّ تلوّنه ... فليس من شدةٍ إلا لها فرج
تلقاه بالأمس في عمياء مظلمةٍ ... ويصبح اليوم قد لاحت له السُّرُج
ولآخر:
ألا رُبّ راجي حاجةٍ لا ينالها ... وآخر قد تُقضى له وهو آيس
يجول لها هذا وتقضى لغيره ... فتأتي التي تُقضى له وهو جالس
ولآخر:
أتطلب رزق الله من عند غيره ... وتصبح من خوف العواقب آمنا
وترضى بصرّافٍ وإن كان مشركاً ... ضميناً ولا ترضى بربك ضامنا
كأنك لم تقنع بما في كتابه ... فأصبحت مدخول اليقين مباينا
ولآخر:
إني لأكرم نفسي أن أدنّسها ... بشين عرضي وبذل الوجه للناس
والله ضامن رزقي ما حييت وما ... في ضمن ذي العرش من شكّ ولا باس
إني رأيت سؤال الله مكرمةً ... وفي سؤال سواه أعظم الياس
قيل: ووجد في بعض خزائن ملوك العجم لوح من حجارة فيه مكتوب: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى، عليه السلام، خرج يقتبس ناراً فنودي بالنبوة. وأنشد:
ولما أن عييت بما ألاقي ... وأعيتني المسائل والقروض
ذكرت الله لا أرجو سواه ... وربُّ العرش ذو فَرَجٍ عريض
ولآخر:
يا صاحب الغمّ إن الغمّ منقطعٌ ... أبشر بخيرٍ كأن قد فرّج الله
اليأس يقطع أحياناً بصاحبه ... لا تيأسنّ فإن الصانع الله