قيل: وكان إسحاق بن مسلم العقيلي جالساً عند المنصور فمرّ خادم وضيء الوجه فقال: يا أمير المؤمنين أي ولدك هذا؟ قال: ما هو لي بولد. قال: فأي إخوة أمير المؤمنين هذا؟ قال: ما هو لي بأخ. قال: فمن هو؟ قال: فلان الخادم. قال: يا أمير المؤمنين فبكم شمة هذا وضمته أحبّ إليها من شمتك وضمتك! قال: فتداخل المنصور من ذلك أمر عظيم حتى تغير وجهه وأمر بمنع الخدم من دخول دار النساء.
[محاسن العبيد]
قال: مرّ عبيد الله بن معمر بحبشي يأكل تمراً وبين يديه كلب، فلما وضع في فمه لقمةً رمى إلى الكلب بلقمة وتمرة. فقال له عبيد الله: هذا الكلب لك؟ قال: لا. قال: فكيف صرت تطعمه وأنت تأكل؟ قال: إني لأستحيي ذا عينين أن ينظر إلي وأنا آكل فلا أطعمه. قال له عبيد الله: أأنت حرّ أم عبد؟ قال: عبد لبني غاضرة. فأتاهم فقال: لمن الحبشي؟ قال صاحبه: لي. فقال: بعه مني. قال: هو لك. قال: لا والله إلا أن تأخذ ثمنه أو غلاماً يكون محله. فاشتراه ثم قال: أشهدكم أنه حرّ لوجه الله جل وعز.
قيل: ومرّ عبد الله بن عمر براع مملوك يرعى غنماً فقال له: بعني شاة من هذه الغنم. فقال: إنها ليست لي. فقال: أين العدل؟ فقال: فأين الله جل وعز؟ فاشتراه ابن عمر وأعتقه. فقال: اللهم قد رزقني العتق الأصغر فارزقني العتق الأكبر، أو قال: فلا تحرمني العتق الأكبر.
قال: وكان لكثير عزة عبدٌ راعٍ يتولى بيع غنمه فباع عزة وهو لا يعرفها شيئاً من غنمه، فقال يوماً وهو يتقاضاها:
قضى كلُّ ذي دينٍ فوفى غريمه ... وعزة ممطولٌ معنىًّ غريمها
فقالت له امرأة: أتعرف عزة؟ قال: لا. قالت: فهذه والله عزة، فقال: لا والله لا آخذ منها شيئاً أبداً! ورجع إلى كثيّر فأخبره فأعتقه لما فعل.
[مساوئ العبيد]
وعن حميد الطويل: كان رجل له غلام فباعه وقال للمشتري: إني أبرأ إليك من كل عيب به إلا عيباً واحداً. قال: وما هو؟ قال: النميمة. قال: أنت بريء منه فإني لا أقبل قوله. قال: فما لبثت إلا قليلاً حتى أتى السيد السيد وقال: إن امرأتم بغيّ وهي تريد أن تقتلك وتتزوج غيرك. قال: وما يدريك؟ قال: قد عرفت ذلك، فتناوم عليها فإنه سيظهر لك ما أقول.
وأتى المرأة فقال: إن زوجك يريد أن يخلعك ويتزوج غيرك فهل لك أن أرقيك فيرجع إليك حبه؟ قالت: نعم ولك كذا وكذا. قال: ائتني بثلاث شعرات من تحت حنكه. فلما دنت منه لتتناول الشعر قام إليها بالسيف ولم يشك فيما قاله الغلام فقتلها، وجاء إخوة المرأة فقتلوا الزوج فذهبا جميعاً بسوء صنيع عبدهما وقبولهما نميمته.
ومما قيل فيهم من الشعر:
وإذا ما جهلت ودّ صديقٍ ... فاختبر ما جهلت بالغلمان
إن وجه الغلام يخبر عما ... في ضمير المولى من الكتمان
قال: وكتب الطائي إلى بعض إخوانه يسأله نبيذاً، فأمر له بذلك ومنعه الغلام. فقال:
أبا جعفرٍ وأصول الفتى ... تدلّ عليه بأغصانه
أليس قبيحٌ بأن امرأً ... رجاك لصالح أزمانه
فتأمر أنت بإعطائه ... ويأمر فتحٌ بحرمانه
ولست أحب الشريف الظريف ... يكون غلاماً لغلمانه
[مساوئ سوء معاملات الموالي لعبيدهم]
قال: وقال أبو العباس الموصلي: كان لي جار فسمعت من داره استغاثة مضروبين، فلما سألت عن الخبر قيل: إنه فقد دجاجة. فكتبت أبياتاً في رقعة وشددتها في رجل دجاجة وألقيتها في داره وضمّنتها:
يا ذا الذي من أجل فرّوجةٍ ... أظهر للعالم أخلاقه
ألقى على الغلمان من أجلها ... بالضرب والتعذيب أرواقه
رفقاً قليلاً بعقوباتهم ... فإنهم لم يعقروا الناقه