قيل: وسئل الأخطل: أيكم أشعر؟ فقال: أفخرنا الفرزدق، وأمدحنا وأوصفنا للخمر أنا، وأسهبنا وأنسبنا وأسبنا جرير، وأرجز الرجّاز في الإسلام وقبله العجاج، فإنه فتح أبواب الرجز واستوقف ووصف الديار وأهلها ووصف الخيل والمطر ومدح وذم، فذهب في الرجز مذهب امريء القيس في القصد وهو أرجز الرجاز، وقد قيل أرجز الرجاز ثلاثة: العجاج، وابنه رؤبة، وحميد الأرقط، وقال بعضهم: أبو النجم العجلي، وأجود الأراجيز قول رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
وقول أبي النجم:
الحمد لله الوهوب المجزل
قيل وقال مسلمة بن عبد الملك لخالد بن صفوان: صف لنا جريراً والفرزدق والأخطل. فقال: أصلح الله الأمير! أما أعظمهم فخراً وأبعدهم ذكراً وأحسنهم غزلاً وأحلاهم معاني وعللاً، الطامي إذا زخر والحامي إذا زأر والسامي إذا نظر، الذي إن أهدر قال وإن خطر صال وإن طلب نال، الفصيح اللسان السبّاق في الرهان فالفرزدق. وأما أهتكهم ستراً وأغزرهم بحراً وأرقّهم شعراً، والأغر الأبلق الذي إن طلب لم يُسبق وإن طُلب لم يلحق، الواصف للفرسان الناعت للأظعان بحلاوة وبيان فجرير، وأما أحسنهم نعتاً وأقلهم فوتاً وأمدحهم بيتاً، الذي إن هجا وضع وإن مدح رفع وإن حاز أفظع، البعيد المتان الماضي الجنان الممداح للسلطان فالأخطل. وكلهم، أصلح الله الأمير، طويل النجاد رفيع العماد ذكيّ الفؤاد.
قال: فصف لنا الشعراء العشرة، فقال: قصتهم مفسرة، أما أحسنهم نسيباً وتشبيباً وأشدهم تأليباً فامرؤ القيس. وأما أفحلهم مقالاً وأنبلهم رجالاً وأكرمهم فعالاً فزهير. وأما أرجحهم كلاماً وأنبلهم مقاماً وأشرفهم أياماً فأوس بن حجر. وأما أفصحهم لساناً وأثبتهم بنياناً وأشدهم إذعاناً فالنابغة، وأما أطردهم للصيد وأجحشهم في الكيد وأدرجهم في القيد فعديّ بن زيد.
وأما أوصفهم للسلاح وأنعتهم للقداح والحرب ذات الكفاح فابن مقبل. وأما أوصفهم للسيئين وأكسبهم للمئين وأمدحهم أجمعين فالحطيئة. وأما أهجاهم للرجال وأبذّهم في المقال وأضربهم للأمثال فطرفة. وأما أعفهم عن الكاس وأحضهم على الباس وأصدقهم عند الناس فسلامة بن جندل.
قال: وقال العتابي في ذكر أبي نواس: لو أدرك الخبيث الجاهلية ما فُضّل عليه أحد.
وقال أبو عمرو بن العلاء: أشعر الناس في صفة الخمر ثلاثة: الأعشى والأخطل وأبو نواس.
وقال إبراهيم النظام: كأنما كشف لأبي نواس عن معاني الشعر فاختار أحسنها.
وقال أبو عبيدة: أبو نواس للمحدثين كامريء القيس للأوائل هو فتح لهم هذه الفطن ودلّهم على المعاني.
[وفي مدح الشعراء]
قال: لما قال حسان بن ثابت للحارث بن عوف المري وهو مشرك:
وأمانة المرّيّ حيث لقيته ... مثل الزجاجة صدعها لم يجبر
قال الحارث للنبي، صلى الله عليه وسلم: يا محمد أجرني من شعر حسان فوالله لو مزج به البحر لمزجه.
قال: وكان كعب بن مالك ينشد رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
قضينا من تهامة كل ريبٍ ... وخيبر ثم أجممنا السيوفا
نخبّرها ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوساً أو ثقيفا
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لهو أسرع فيهم من السهم في غلس الظلام.
قال: ولما أنشد عبد الله بن رواحة رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
فثبّت اللهُ ما أتاك من حسنٍ ... تثبيت موسى ونصراً كالذي نُصرا
أقبل عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، متبسماً ثم قال: وإياك فثبت الله، وهو الذي يقول يوم مؤتة:
أقسمت يا نفسِ لتنزلنه ... طائعةً أو لتكَرّهنّه
ما لي أراك تكرهين الجنه
قال: وحدا رجلٌ برسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يقول:
تالله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينةً علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنةً أبينا
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من يقولها؟ قال: أبي. قال يرحمه الله.
[مساوئ الشعراء]
قيل: ليس أحد من الناس آكل للسحت وأنطق بالكذب ولا أوضع ولا أطمع ولا أقل نفساً ولا أدنى همةً من شاعر. ولذلك قال أبو سعد المخزومي:
الكلب والشاعر في حالةٍ ... يا ليت أني لم أكن شاعرا