للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ما من أحد أمتي ولدت له جارية فلم يتسخط ما خلق الله جل وعز إلا هبط ملك من السماء بجناحين أخضرين موشحين بالدر والياقوت في سلّم من درّ ويزفّ من درجة إلى درجة حتى يأتيه بالبركة فيضع يده على رأسها وجناحه على جسدها ثم يقول: بسم الله وبالله محمد رسول الله ربي وربك الله نعم الخالق الله ضعيفة خرجت من ضعيف المنفق عليها معان إلى يوم القيامة.

وقال ابن المقفع لرجل ولدت له جارية: بارك الله لك في الابنة المستفادة وجعلها لكم زيناً وأجرى لكم عليها خيراً، فلا تكرهنّهن فإنهنّ الأمهات والأخوات والعمات والخالات ومنهن الباقيات الصالحات، ورب غلام ساء أهله بعد مسرتهم، ورب جارية فرّحت أهلها بعد مساءتهم، وأنشد في ذلك:

سخطْتَ بنيةً عما قليلٍ ... تُسرّ بها عيون الناظرات

فبارك في فطيمة رب موسى ... وأنبتها نبات الصالحات

وزادك عاجلاً أخرى سواها ... لسخطك إذ سخطت على البنات

قال: وكان لرجل امرأتان في دار واحدة فولدت إحداهما غلاماً والأخرى جارية فكانت أم الغلام تقول:

عافاني اليوم من الجواري ... من كل سوداء كشنٍّ بالي

لا تدفع الضيم عن العيال

وقالت أم الجارية:

وما علي أن تكون جاريه ... تحفظ بيتي وترد العاريه

تمشط رأسي وتكون الفاليه ... وتحمل الفاضل من خماريه

حتى إذا بلغت ثمانيه ... وزيّنت بنقبةٍ يمانيه

زوّجتها مروان أو معاويه ... أزواج صدقٍ بمهورٍ غاليه

محاسن برّ البنات

عوانة قال: بلغنا أن شيخاً من أصحاب معاوية كان يكاتب علي بن أبي طالب، رضوان الله عليه، وقد كان طعن في السن، فبلغ معاوية خبره، فدعاه فقال: أيها الشيخ إنك لتكاتب علياً، رضي الله عنه، ولولا سنّك لقتلتك فلا تفعل ولا تعد. فوقع كتاب له بعد ذلك إلى علي، رحمه الله، في يدي معاوية فدعاه وقال: أتعرف هذا الكتاب؟ قال: نعم، كتب فأجبته، فأمر معاوية بقتله. فانتهى الخبر إلى ابنة له صغيرة، فجاءت حتى قامت بين يدي معاوية وأنشأت تقول:

معاوي لا تقتل أباً كان مشفقاً ... علينا فنبقى إن فقدناه شرّدا

وتوتم أولادٌ صغارٌ بقتله ... وإن تعف عنه كنت بالعفو أسعدا

معاوي هبه اليوم لله وحده ... وللباكيات الصارخات تلددا

معاوي منك العلم والحلم والتقى ... وكنت قديماً يا ابن حربٍ مسَددا

فعجب معاوية وأصحابه منها ودمعت عيناه ووهبه لها.

قيل: وكان المأمون وجد على قائد من قواده فاستصفى ضياعه وداره وأنهب دوابه وماله، وكان شيخاً فانياً ولم يكن له من الولد إلا بنية صغيرة، فأجمع أن يضرب في الأرض ويطلب من فضل الله جل وعز ويخلّف بنيته. فبكت الابنة وقبضت على أبيها وقالت: اقنع بما آتاك الله واصبر على محن الزمان ونوائب الدهر والزم الوطن وارحم وحدتي وضعفي وقلة حيلتي أو اذبحني فلا أُبتلى بفراقك. فبكى الشيخ وقال:

تقول ابنتي لما أردت وداعها ... وقد حضرتني نيةٌ ورحيل:

لعل المنايا في رحالك تنبري ... لنفسك ختلاً أو تغولك غول

فتتركني أدعى اليتيمة بعدما ... تبين وعزّي بعد ذاك ذليل

أفي طلب الدنيا وربك بالذي ... تسير له راعٍ عليك كفيل

أليس ضعيف القوم يأتيه رزقه ... يُساق إليه والبلاد محول

ويحرم جمع المال من قد يرومه ... يكدّ عليه رحله وحلول

فلو كنت في طودٍ على رأس هضبةٍ ... لها نجفٌ فيه الوعول تقيل

مضعّدة لا يستطاع ارتقاؤها ... ولا لنزولٍ يستطاع سبيل

إذاً لأتاك الرزق يحدوه سائقٌ ... حثيثٌ ويهديه إليك دليل

قال: فنمى الخبر إلى المأمون، فدعا بالشيخ فاستنشده شعره فأنشده، فرقّ له وأمر بردّ جميع ما أخذ منه وأعاده إلى مرتبته وزاده من عنايته.

<<  <   >  >>