روي عن عمر بن حبيب القاضي أن رجلاً كان بالبصرة وكانت له امرأة وله منها ابنان فمات وترك لهم شاة، فرأت المرأة في النوم كأن أحد ابنيها يقول: يا أمه أما ترين هذا الجدي قد أفنى علينا لبن هذه الشاة وليس بدّ من أن أقوم فأذبحه! فقالت: لا تفعل يا بني. قال: لا بد من أذبحه. فقام فذبحه وسمطه وشواه وأخرجه من التنور فقعد هو وأخوه يأكلان، فكلمه أخوه بشيء، فأخذ السكين فشق بطنه، فانتبهت فزعة وإذا ابنها يقول: يا أمه أما ترين هذا الجدي قد أفنى علينا لبن هذه الشاة أقوم فأذبحه؟ فقالت: لا تفعل يا بني. فجعلت تتعجب من تصديق الرؤيا فأخذت بيد أخيه فدخلت بيتاً وأغلقت الباب من داخل، فبينا هي مفكرة مغتمة إذ غقت فرأت النبي، صلى الله عليه وسلم، في النوم، فقال: ما شأنك؟ فخبرته الخبر. فنادى: يا رؤيا! فإذا الحائط قد انصدع وخرجت امرأة جميلة بارعة الجمال. فقال لها النبي، صلى الله عليه وسلم: ما أردت إلى هذه المسكينة؟ قالت: لا والذي بعثك بالحق نبياً ما أتيتها في منامها! فنادى: يا أضغاث أحلام! فخرجت امرأة دونها. فقال: ما أردت إلى هذه المسكينة؟ قالت: رأيتهم بخير فحسدتهم فأردت أن أغمهم. فقال، صلى الله عليه وسلم: ليس عليك بأس. فانتبهت وأكلت مع ابنيها ولم يزالوا بخير.
[محاسن الازكان]
قال: نظر إياس بن معاوية إلى نسوة قد فزعن من بعير فأشار إليهن فقال: هذه بكر وهذه حامل وهذه مرضع. فقام إليهن رجل فسألهن فكن كما قال. فقيل له: كيف علمته؟ قال: رأيتهن لما فزعن وضعت كل واحدة منهن يدها على أهم المواضع إليها، فوضعت الحامل يدها على بطنها، ووضعت المرضع يدها على ثديها، ووضعت البكر يدها على قبُلها.
قال: ونظر إياس يوماً إلى رجل متأبط شيئاً فقال: معه سكر وقد ولد له غلام. فاتبعه الرجل فسأله فإذا هو كما قال. فقيل له في ذلك، فقال: رأيت الذباب قد أطافت به فقلت معه حلاوة وهو سكر، ورأيته نشيطاً فقلت ولد له غلام.
[مساوئ الازكان]
قال: واستقبل إياس رجلاً فقال: خذوه فإنه سرق وسيأتي من يطلبه. فأخذوه فلم يتجاوز ساعة حتى جاء قوم يطلبونه فأخذوه فقيل له في ذلك، فقال: رأيته يرعد ويعدو مدلها متغير اللون يكثر الالتفات فزكنت فيه هذا وأنه لص.
قال: ورأى رجلاً على عاتقه جرة عسل فقال: فيها سم أو حية. فنظروا فإذا حية، فسئل عن ذلك فقال: رأيت الذباب تحوم حوله ولا تسقط عليه فعلمت أنه حية أو سم.
[محاسن الفأل والزجر]
حدثنا الحسن بن وهب قال: حدثني صالح بن علي بن عطية قال: كان المنصور ألزم خالد بن برمك ثلاثة آلاف ألف درهم ونذر دمه فيها وأجلّه ثلاثة أيام. فقال خالد ليحيى ابنه: إني قد طولبت بما ليس عندي وإنما يراد بذلك دمي فانصرف إلى حرمتك وأهلك فما كنت فاعلاً بعد موتي فافعله، ثم قال: يا بني ولا يمنعنك ذلك من أن تلقى إخواننا فتعلمهم حالنا. قال يحيى: فأتيت إخوان والدي فمنهم من جبهني بالرد ثم بعث إليّ بمال جليل، ومنهم من لم يأذن لي وبعث بمال في أثري لكيلا يُخبر به المنصور. قال: فدخلت على عمارة بن حمزة وهو مقابل بوجهه إلى الحائط فسلمت فرد رداً ضعيفاً. قال يحيى: فضاقت بي الأرض، ثم كلمته فيما كنت أتيته فيه. فقال: إن أمكننا شيء فسيأتيك.
فانصرفت عنه وصرت إلى أبي فأعلمته ذلك وقلت: أراك تثق من عمارة بما لا يوثق به. فوالله إني لفي ذلك الحديث إذ طلع علينا رسول عمارة بمائة ألف درهم ورسول صاحب المصلى بمائة ألف درهم ورسول مبارك التركي بمائتي ألف درهم. فجمعنا في يومين ألفي ألف درهم وسبع مائة ألف درهم وبقيت ثلاثمائة ألف درهم، فتعذر ذلك. قال يحيى: فوالله إني لمارّ بالجسر مهموماً مغموماً إذ وثب إليّ زاجر فقال: فرّخ الطير قف أخبرك! فطويته ولم ألتفت إليه، فلحقني وتعلّق بي. فقلت: ويحك اذهب عني فإني مشغول عنك! فقال: أنت والله مهموم ووالله ليُفرجنّ همك وتمن باللواء غداً في هذا الموضع بين يديك. فأقبلت أعجب من قوله. فقال لي: إن كان ذلك فلي عليك خمسة آلاف درهم! قلت: نعم. ولو قال خمسين ألف درهم لقلت نعم لبعد ذلك عني.