قيل: إن الحجاج لما أتى المدينة أرسل إلى حسن بن حسن فقال: هات سيف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ودرعه. فقال: لا أفعل. قال: فجاء الحجاج بالسيف والسوط والعصا فقال: والله لأضربنك بهذه العصا حتى أكسرها! ثم قال: لأضربنك بهذا السوط حتى أقطعه، ثم لأضربنك بهذا السيف حتى تبرد أو تأتيني بهما! فقال الناس: يا أبا محمد لا تتعرّضن لهذا الجبار. قال: فجاء الحسن بسيف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ودرعه فوضعهما بين يدي الحجاج. فأرسل الحجاج إلى رجل من آل أبي رافع فقال له: هل تعرف سيف رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فخلطه بين أسيافه ثم قال: أخرجه، فأخرجه. ثم جاء بالدرع فنظر إليها فقال: هناك علامة كانت على الفضل بن العباس يوم اليرموك فطعن بحربة فخرقت الدرع. فرفعناها فوجدنا الدرع على ما قال. فقال الحجاج للحسن: أما والله لو لم تجئني به وجئت بغيره لضربت به رأسك.
وذكروا أن الحجاج قال يوماً لحاجبه: اعسس الليلة بنفسك فمن وجدته فجئني به، فلما أصبح أتاه بثلاثة نفر، فقال الحجاج لواحد منهم: ما كان سبب خروجك بالليل وقد نادى منادٍ ألا يخرج أحد ليلاً؟ فقال: أصلح الله الأمير! كنت سكران فغلبني السكر فخرجت ولا أعقل. ففكر الحجاج ساعة ثم قال: سكران غلبه سكره خلّوا عنه لا تعودنّ. وقال للآخر: فأنت ما كان سببك؟ قال: أصلح الله الأمير! كنت مع قوم في مجلس يشربون فوقعت بينهم عربدة فخفت على نفسي فخرجت. ففكر الحجاج في نفسه ثم قال: رجل أحبّ المسالمة خلّوا عنه. ثم قال للآخر: ما كان سبب خروجك؟ قال: لي والدة عجوز وأنا رجل حمّال فرجعت إلى بيتي فقالت والدتي: ما ذقت اليوم طعاماً، فخرجت ألتمس لها ذلك فأخذني عسس الأمير. ففكر ساعة ثم قال: يا غلام اضرب عنقه. فإذا رأسه بين رجليه.
[محاسن الحلم]
حُكي عن أنوشروان أن وفوداً وردوا عليه من قبل الملوك فأتوه واستأذنوا، فأمر رجلاً من بطانته أن يأتيه بتاجه. فأقبل الرجل بالتاج فارتعشت يده وسقط التاج من يده فانكسر وذلك بعين كسرى. فغض طرفه لئلا يرعبه. فتناول الرجل التاج وقال له كسرى: لا بأس عليك! انطلق إلى الحاجب ومره أن يصرف الوفود في هذا اليوم.
وحكي عنه أيضاً أنه دعا كاتبه وعرض عليه كتاباً ورد عليه من قبل أصبهبذ خراسان فيه أخبار من أخبار الترك فجعل يؤامره فيها وإن رهطاً من خاصته قاموا خلف سريره فتسمعوا عليه فعطس واحد منهم فالتفت كسرى ونظر إليهم وقال: لا ينبغي أن تسمعوا سر الملك، وقد صفحت عنكم فلا تعودوا لمثل ذلك.
قال: وقال رجل من قريش: ما أظن معاوية أغضبه شيء قط. فقال بعضهم: إن ذكرت أمه غضب. فقال مالك بن أسماء المنى القرشي: أنا أُغضبه إن جعلتم لي جعلاً. ففعلوا. فأتاه في الموسم فقال له: يا أمير المؤمنين إن عينيك لتشبهان عيني أمك. قال: نعم كانتا عينين طال ما أعجبتا أبا سفيان. ثم دعا مولاه شقران فقال له: اعدد لأسماء المنى دية ابنها فإني قد قتلته وهو لا يدري. فرجع وأخذ الجعل. فقيل له: إن أتيت عمرو بن الزبير فقل له مثل ما قلت لمعاوية أعطيناك كذا وكذا. فأتاه فقال له ذلك فأمر بضربه حتى مات. فبلغ معاوية فقال: أنا والله قتلته. وبعث إلى أمه بديته وأنشأ يقول:
ألا قل لأسماء المنى أم مالكٍ ... فإني لعمر الله أهلكت مالكا
قيل: وجاء رجل إلى الأحنف بن قيس فلطم وجهه فقال: بسم الله يا ابن أخي ما دعاك إلى هذا؟ قال: آليت أن ألطم سيد العرب من بني تميم. قال: فبرّ يمينك فما أنا بسيدها، سيدها حارثة بن قدامة! فذهب الرجل فلطم حارثة فقام إليه حارثة بالسيف فقطع يمينه. فبلغ ذلك الأحنف فقال: أنا والله قطعتها.
وعن إسحاق بن إسماعيل قال: حدثني أبي أنه كان يتغدى مع يحيى بن خالد البرمكي يوماً إذ طلب أرزةً اشتهاها فأمر الطباخ باتخاذها بدهن النارجيل فغلط الطباخ وجعل مكان الدهن نفطاً وأتاه بها. فلما وضع يده فيها قال: ارفع. ولم يقل شيئاً سوى ذلك.