ويقال: إن رجلاً ضاف امرأة بالبادية وللمرأة ابنة فقالت لها: يا أمه لا تضيفيه فإن الخبيث عينه فراره، فلما أظلم الليل راود المرأة عن نفسها، وكانت عفيفة، فقالت لأمها: لولا حق الضيافة لانقلبت محروباً، فاستحيا الرجل فولّى وهو يقول:
تقول أم عامرٍ للغمر قل ... فإن تقل فعندنا ماءٌ وظلٌ
ولبنٌ تنهل منه وتعل ... أما الذي سألتنا فلا يحل
وقولهم:
خلا لك الجو فبيضي واصفري ... ونقّري ما شئت أن تنقري
قد رفع الفخ فماذا تحذري
قيل: كان طرفة بن العبد البكري مع عمه وهو صغير في بعض أسفارهما فنزلا على ماء فنصب طرفة فخه للقنابر وقعد لها وهنّ يحذرن الفخّ وينفرن مما حوله، فقال:
قاتلكن الله من قنابر ... منتبذاتٍ في الفلا نوافر
وأخذ فخه ورجع إلى عمه. فلما تحملوا أقبلت القنابر تلتقط ما كان ألقاه لهن من الحب، فالتفت فرآهن فقال:
يا لك من حمّرةٍ بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري
وقولهم: لو ترك القطا لنام، كانت حذام بنت الريان ملك معدّ وإن رجلاً من حمير سار إلى أبيها في حمير، فلقيهم الريان في أحياء ربيعة فالتقوا في أرض تدعى المرامة فاقتتلوا يومين وليلتين ثم رجع الحميري إلى عسكره وهرب الريان وسار يومه وليلته، فلما أصبح الحميري ورأى عسكر الريان سار في طلبه، وجعلوا يمرون ويثيرون القطا وجعلت القطا تمر على عسكر الريان، فانتبهت ابنته فقالت لقومها:
ألا يا قومنا ارتحلوا وسيروا ... فلو ترك القطا ليلاً لناما
فارتحلوا واعتصموا برؤوس الجبال ورجع القوم، ففي ذلك يقول حميد:
إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام
[محاسن الجواب]
قيل: دخل رجل على كسرى أبرويز فشكا عاملاً له غصبه على ضيعة له.
قال كسرى: منذ كم هي في يدك؟ قال: منذ أربعين سنة. فقال: أنت تأكلها منذ أربعين سنة ما عليك أن يأكل منها عاملي سنة! فقال: ما كان على الملك أن يأكل بهرام جوبين الملك سنة واحدة! فقال: ادفعوا في قفاه واخرجوه. فأُخرج، فأمكنته التفاتة فقال: دخلت بمظلمة وخرجت بثنتين. فقال كسرى: ردوه، وأمر برد ضيعته وجعله في خاصته.
ويقال: إن سعيد بن مرة الكندي حين أتى معاوية قال له: أنت سعيد؟ فقال: أمير المؤمنين سعيد وأنا ابن مرة.
قيل: ودخل السيد بن أنس الأزدي على المأمون فقال: أنت السيد؟ فقال: أنت السيد يا أمير المؤمنين وأنا ابن أنس.
وقيل للعباس بن عبد المطلب: أنت أكبر أم رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو، عليه السلام، أكبر مني وولدت قبله. وقيل: إنه قال وأنا أسنّ منه.
قيل: وقال الحجاج للمهلب: أنا أطول أم أنت؟ فقال: الأمير أطول وأنا أبسط قامة.
قال: ووقف المهدي على امرأة من بني ثعل فقال لها: ممن العجوز؟ قالت: من طيء. قال: ما منع طيئاً أن يكون فيها آخر مثل حاتم؟ فقالت: الذي منع العرب أن يكون فيها آخر مثلك. فأُعجب بقولها ووصلها.
قال: وقدم وفدٌ من العراق على عمر بن عبد العزيز، فنظر عمر إلى شابٍّ فيهم يريد الكلام، فقال عمر: أولو الأسنان أولى. فقال الفتى: يا أمير المؤمنين إن الأمر ليس بالسن ولو كان كذلك لكان في المسلمين من هو أسن منك، فقال: صدقت، تكلم. قال: يا أمير المؤمنين إنا لم نأتك رغبة ولا رهبة، أما الرغبة فقدمت علينا في بلادنا، وأما الرهبة فقد آمننا الله بعدلك من جورك. قال: فما أنتم؟ قال: وفد الشكر. قال: لله أنت ما أحسن منطقك! وقيل: إنه لما استوسق أمر العراق لعبد الله بن الزبير وجّه مصعب إليه وفداً، فلما قدم عليه الوفد قال: وددت أن لي بكل خمسة منكم رجلاً منهم. فقال رجل من أهل الشام: بل وددت أن لي بكل عشرة منكم رجلاً منهم. فقال رجل من أهل العراق: يا أمير المؤمنين علقناك وعلقت بأهل الشام وعلق أهل الشام آل مروان، فما أعرف لنا ولك مثلاً إلا قول الأعشى:
عُلّقتها عرضاً وعلقت رجلاً ... غيري وعُلّق أخرى غيرها الرجل
فما وجدنا جواباً أحسن من هذا.