للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقال: إن علياً لما اتصل به مسير معاوية قال: لا أرشد الله قائده ولا أسعد رائده ولا أصاب غيثاً ولا سار إلا ريثاً ولا وافق إلا ليثاً، أبعده الله وأسحقه وأوقد ناراً على أثره، لا حط الله رحله ولا كشف محلّه ولا بشّر به أهله، لا زكا له مطلب ولا رحب له فيه مذهب، لا سقاه الله غماماً ولا يسّر له مراماً، لا فرّج الله همه ولا سرّى غمّه، ولا حلّ عقده ولا أورى زنده، جعله الله سفر الفراق وعصا الشقاق، وأنشد:

بأنكد طائرٍ وبشرّ قال ... لأبعد غايةٍ وأخس حال

بحدّ السند حيث يكون مني ... كما بين الجنوب إلى الشمال

غريباً تمتطي قدميك دهراً ... على خوف تحنّ إلى العيال

الباهلي:

إذا استقلت بك الركاب ... فحيث لا درّت السحاب

وحيث لا يُبتغى فلاحٌ ... وحيث لا يُرتجى إياب

ابن أبي السرح:

فسر بالنحوس إلى بلدةٍ ... تُعمّر فيها ولا ترزق

ولا تمرع الأرض من نهرها ... ولا يثمر الشجر المورق

تغيض البحار بها مرةً ... ويكدي السحاب بها المغدق

الباهلي:

أدنى خطاك الهند والصين ... وكلُّ نحسٍ بك مقرون

بحيث لا يأنس مستأنسٌ ... وحيث لا يفرج محزون

تهوي بك الأرض إلى بلدةٍ ... ليس بها ماءٌ ولا طين

[محاسن الرؤيا]

حدثنا أبو عبد الله أحمد بن أبي دؤاد قال: كان المأمون يبطّل الرؤيا ويقول: ليست بشيء ولو كانت على الحقيقة كنا نراها ولا يسقط منها شيء، فلما رأينا إنما يصحّ منها الحرف والحرفان من الكثير علمنا أنها باطل وأن أكثرها لا يصح، وكان بعث بابنه العباس إلى بلاد الروم فأبطأ عليه خبره فصلّى ذات يوم الصبح وخفق وانتبه ودعا بدابته وركب وقال: أحدثكم بأعجوبة، رأيت الساعة كأن شيخاً أبيض الرأس واللحية عليه فروة وكساؤه في عنقه ومعه عصاً وفي يده كتاب فدنا مني وقد ركبت فقلت: من أنت؟ فقال: رسول العباس بالسلامة، وناولني كتابه. فقال المعتصم: أرجو أن يخفق الله رؤيا أمير المؤمنين ويسره بسلامته. قال: ثم نهض فوالله ما هو إلا أن خرج فسار قليلاً إلا وبصر بشيخ قد أقبل نحوه في تلك الحال، فقال المأمون: هذا والله الذي رأيته في منامي وهذه صفته. قال: فدنا منه الرجل فنحّاه خدمه وصاحوا به. فقال: دعوه. فجاء الشيخ، فقال له: من أنت؟ قال: رسول العباس وهذا كتابه. قال: فبهتنا وطال منه تعجبنا. فقلت: يا أمير المؤمنين أتبطل الرؤيا بعد هذه؟ قال: لا.

وحدثنا عليّ بن محمد قال: حدثني أبي عن محمد بن عبد الله قال: رأيت فيما يرى النائم في آخر سلطان بني أمية كأني دخلت مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرفعت رأسي ونظرت إلى الكتاب الذي فوق المحراب فإذا فيه ما أمر به أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، فإذا قائل يقول: يمحي هذا الكتاب ويكتب مكانه اسم رجل من بني هاشم يقال له محمد. فقلت: فأنا محمد، فابن من؟ قال: ابن عليّ. قلت: فأنا ابن علي، فابن من؟ قال: ابن عبد الله. قلت: فأنا ابن عبد الله، فابن من؟ قال: ابن عباس. فلو لم أكن بلغت العباس ما شككت أني صاحب الأمر، فتحدثت بهذه الرؤيا في ذلك الدهر ولا نعرف نحن المهدي فتحدث الناس بها حتى ولي المهدي فدخل مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرفع رأسه فإذا اسم الوليد، وإني لأرى اسم الوليد في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى اليوم، فدعا بكرسيّ فألقي له في صحن المسجد، فقال: ما أنا ببارحٍ حتى يُمحى ويكتب اسمي مكانه.

فأمر بأن يحضر العمّال والسلاليم وما يحتاج إليه لذلك، فلم يبرح حتى غُيّر وكتب اسمه.

قال: ورأى رجل أبا دلف فيما يراه النائم فقال: ما حالك؟ فقال:

فلو أنا إذا متنا تُركنا ... لكان الموت راحة كل حيّ

ولكنا إذا متنا بعثنا ... ونسأل بعده عن كل شيء

قال: ورأى رجل الحجاج بن يوسف فيما يراه النائم فقال له: ما حالك؟ فقال: ما أنت وذاك لا أم لك! فقال: سفيهٌ في الدنيا سفيه في الآخرة!

<<  <   >  >>