وبلغنا عن المدائني أنه قال: ليس السودد بالشرف وإنما ساد الأحنف بن قيس بحلمه وحضين بن المنذر برأيه ومالك بن مسمع بمحبته في العامة وسويد بن منجوف بعطفه على أرامل قومه، وساد المهلب بن أبي صفرة بجميع هذه الخصال.
قيل: وسمع عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وهو خليفة صوتاً ولفظاً بالباب فقال لبعض من عنده: اخرج فانظر من كان من المهاجرين الأولين فأدخله. فخرج الرسول فأدخل بلالاً وصهيباً وسلمان، وكان أبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو في عصابة من قريش جلوساً بالباب فقال أبو سفيان: يا معشر قريش أنتم صناديد العرب وأشرافها وفرسانها بالباب ويدخل حبشيّ وفارسيّ وروميّ؟ فقال سهيل: يا أبا سفيان أنفسكم فلوموا ولا تلوموا أمير المؤمنين، دعا القوم فأجابوا ودعيتم فأبيتم وهم يوم القيامة أعظم درجات وأكثر تفضيلاً. فقال أبو سفيان: لا خير في مكان يكون فيه بلال شريفاً.
[مساوئ أصحاب الصناعات]
قال المأمون وذكر أصحاب الصناعات: السوقة سفل والصناع أنذال والتجار بخلاء والكتاب ملوك على الناس. وقال المأمون: الناس أربعة: ذو سيادة أو صناعة، أو تجارة أو زراعة، فمن لم يكن منهم كان عيالاً عليهم، وذكروا أن أبا طالب كان يعالج العطر والبزّ، وكان أبو بكر الصدّيق، رضي الله عنه، بزّازاً، وكان عمر بن الخطاب بزازاً، وكان عبد الرحمن بن عوف بزازاً، وكان سعد بن أبي وقاص، رحمه الله، يأبر النخل، وكان أخوه عتبة، رحمه الله، نجاراً، وكان العاص بن هشام أخو أبي جهل بن هشام جزاراً، وكان الوليد بن المغيرة حداداً، وكان عقبة بن أبي معيط خمّاراً، وكان عثمان بن طلحة صاحب مفتاح البيت خياطاً، وكان أبو سفيان بن حرب يبيع الزيت والأدم، وكان أمية بن خلف يبيع البُرم، وكان عبد الله بن جدعان نخاساً، وكان العاص بن وائل أبو عمرو بن العاص يعالج الخيل والإبل، وكان جرير بن عمرو وقيس أبو الضحاك بن قيس ومعمر بن عثمان وسيرين أبو محمد بن سيرين كلهم حدادين، وكان المسيب أبو سعيد زياتاً، وكان ميمون بن مهران بزّازا، وكان مالك بن دينار ورّاقاً، وكان أبو حنيفة صاحب الرأي خزّازاً، وكان مجمع الزاهد حائكاً.
قيل: واتخذ يزيد بن المهلب بستاناً في داره بخراسان، فلما ولي الأمر قتيبة بن مسلم جعله لإبله، فقال له مرزبان مرو: هذا كان بستاناً وقد اتخذته لإبلك! فقال قتيبة: كان أبي أشتربان وكان أبو يزيد بستانبان فمنهما صار ذلك كذلك.
[محاسن النتاج]
ذكروا أن جرهم من نتاج ما بين الملائكة وبنات آدم وأن الملأك من الملائكة كان إذا عصى ربه في السماء أهبطه إلى الأرض في صورة رجل في طبيعته ما في طبيعة بني آدم كما صنع بهاروت وماروت في خبرهما مع الزهرة حتى كان من شأنهما ما كان، فعصى بعض الملائكة ربنا جل ذكره فأهبطه إلى الأرض في صورة رجل فتزوج أم جرهم فولدت منه جرهم، فقال شاعرهم:
لاهمّ إنّ جرهماً عبادكا ... الناس طرفٌ وهم تلادكا
وكان ذو القرنين أمه قيرى آدمية وكان أبوه عيرى من الملائكة. وسمع عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، رجلاً ينادي: يا ذا القرنين! فقال: فرغتم من أسماء الأنبياء فارتقيتم إلى أسماء الملائكة! وزعموا أن التناكح والتلاقح قد يقع بين الجن والإنس لقوله جل وعز: " وشاركهم في الأموال والأولاد ". ولأن الجنّيات إنما يعرضن لصرعى رجال الإنس على جهة العشق وطلب السفاد وكذلك رجال الجن لنساء بني آدم، ومن زعم أن الصرع من المرّة فقد رد قول الله عز وجل: إن الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس "، وقال جل ذكره: " وشاركهم في الأموال والأولاد "، وقال عز وتعالى: " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان "، وكان عبد الله بن هلال سبط إبليس من قبل أمهاته. وروى أبو زيد النحوي أن سعلاةً أقامت في بني تميم حتى ولدت فيهم ورأت ذات يوم برقاً من شق بلاد السعالي فحنّت إلى وطنها وطارت إليهم.
وقد قيل إن الواقواق من نتاج ما بين بعض النبات وبعض الحيوان.
وقد قيل إن الثعلب يسفد الهرة الوحشية فيخرج من بينهما ولد فيه مشابهة منهما، قال حسان بن ثابت:
أبوك أبوك وأنت ابنه ... وبئس البنيُّ وبئس الأب
وأمك سوداء نوبيةٌ ... كأن أناملها العنظب