لم يبقها أمدٌ تقادم عهده ... فالدمع ينطق والرسوم بواقي
لهفي على زمنٍ مضت أيامه ... والعيش غضٌّ مورق الأوراق
أيامنا ما كانت إلا خلسةً ... كسف الهلال عراه وجه محاق
أو نظرةً من خائفٍ لم ينجه ... خوفٌ الحذار وشدة الإشفاق
وكذاك أيام السرور قصيرةٌ ... لكن أيام البلاء بواقي
كيف اللقاء وقد تطاوحت النوى ... شتان بين مشائمٍ وعراق
يا ليت شعري كيف عهد أحبتي ... لما أظلهم وشيك فراقي
ظني بهم حسنٌ وكيف بأوبةٍ ... تروي غليل متيمٍ مشتاق
ومنها نجديات:
ألا هل أرى حوراً تبرقعن بالحمى ... وهل أجتني بالعين من خدهم وردا
لعلي أرى نجداً ومن حلّ بالحمى ... فأحسب من نجدٍ على كبدي بردا
خليليّ قد داويت عقلاً سلبته ... بشحط النوى والبعد من قربهم عمدا
فلم أر بعد الدار يشفي من الجوى ... ولا القرب أيضاً من ديارهم أجدى
بلى إن في النأي التقطع والأسى ... وحبُّ سليمى القلب من بينهم أودى
ولآخر:
نسيم الخزامى والرياح التي جرت ... بليل على نجدٍ تذكرني نجدا
أتاني نسيم السِّدر طيباً من الحمى ... فذكّرني نجداً وقطّعني وجدا
ولآخر:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً ... بصحراء من نجران ذات ثرىً مندي
وهل أردنّ الدهر حصن مجاشعٍ ... وقد ضربته نفحةٌ من صبا نجد
ولآخر:
أقول لصاحبي والعيس تخدي ... بنا بين المنيفة والضمار
تمتع من شميم عرار نجدٍ ... فما بعد العشية من عرار
ألا يا حبذا نفحات نجدٍ ... وريّا روضه غبَّ القطار
شهورٌ ينقضين وما شعرنا ... بأنصافٍ لهن ولا سرار
وأما ليلهن فخير ليلٍ ... وأنضر ما يكون من النهار
قال: وقال الفتح بن خاقان: ورد عليّ أعرابي من البادية نجديّ فصيحٌ فبات ليلةً عندي على سطح مشرف على بستان، فسمع فيه صوت الدواليب فقال: ما أشبه هذا إلا بحنين الإبل، وأنشدني:
بكرتْ تحنّ وما بها وجدي ... وأحنّ من شوقٍ إلى نجد
فدموعها تحيا الرياض بها ... ودموع عيني أحرقت خدي
[محاسن الدعاء للمسافر]
بأيمن طالع وأسرّ طائر، لا كبا بك مركبٌ ولا أشتّ بك مذهبٌ ولا تعذّر عليك مطلب، سهّل الله لك السير ويسر لك القصد وطوى البعد بمسرة الظفر وكرامة المذخر بأيمن طائر وأسعد جدّ على الطائر الميمون والكوكب السعد.
وفي رسالة للبحتري: إلى حيث تتقاصر أيدي الحوادث عنك وتتقاعس نوائب الأيام دونك.
فصل: وخصصت بسهولة المطلب ونجاح المنقلب، كان الله لك في سفرك خفيراً وفي حضرك ظهيراً.
آخر: بسعيٍ نجيح وأوبٍ سريع وسريح.
آخر: قصّر الله محلّه وهدى رحله وسرّ بأوبته أهله ولا زال آمناً مقيماً وظاعناً.
آخر: بأسعد جدٍّ وأنجح مطلب وأسرّ منقلب وأكرم بدأةٍ وأحمد عاقبة.
فصل: فاشخص مصحوباً بالسلامة والكلاءة، آئباً بالنجح والغبطة، محوطاً فيما تطالعه بالعناية والشفقة في ودائع الله وضمانه وكنفه وجواره وستره وأمانه وحفظه وذماره.
وقال رجل للنبي، صلى الله عليه وسلم: إني أريد سفراً. فقال: في حفظ الله وكنفه، زودك الله التقوى ووجهّك إلى الخير حيث كنت.
كتب أبو العيناء: استخلف الله فيك واستخلفه منك.
لابن أبي السرح:
في كنف الله وفي ستره ... من ليس يخلو القلب من ذكره
وأنشد الآخر:
فارحل أبا بشرٍ بأيمن طائرٍ ... وعلى السعادة والسلامة فانزل
[مساوئ الدعاء للمسافر]
بالبارح الأشأم والسانح الأعضب والصرد الأنكد للسفر الأبعد، لا استمرّت مطيته واستتبت أمنيته، ولا تراخت منيّته بنحسٍ مستمرٍ وعيش مرّ، لا قرى إن استضاف ولا أمن إن خاف.