للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ورأتني أسرّج العاج بالعا ... ج فظلّت تستحسن الأبنوسا

ليس شيبي إذا تأملت شيباً ... إنما الشيب ما أشاب النفوسا

وله:

ضحكت إذ رأت مشيبي قد لا ... ح وقالت قد فُضّض الأبنوس

قلت: إن الشباب فيّ لباقٍ ... بعد، قالت: هذا شبابٌ لبيس

قال: استقبل يونس النحوي عدواً له وهو يتهادى في مشيه ويقارب خطوه. فقال: يا يونس بلغت ما أرى! فقال: هذا الذي كنت آمله فقد بلغته فلا بلغته! فاستحسن ابن الزيات قوله فجعله شعراً وقال:

وعائبٍ عابني بشيبٍ ... لم يعد لمّا ألمّ وقته

فقلت إذ عابني بشيبٍ: ... يا عائب الشيب لا بلغته

ولغيره:

إن المسيب رداء الحلم والأدب ... كما الشباب رداء الجهل واللعب

تعجبت إذ رأت شيبي فقلت لها ... لا تعجبي من يطل عمرٌ به يشب

فينا لكُنّ وإن شيبٌ بدا أربٌ ... وليس فيكنّ بعد الشيب من أرب

شيب الرجال لهم عزّ ومكرمةٌ ... وشيبكن لكن الذل فاكتئبي

ولآخر:

الشيب في رأس الفتى حلمٌ به ... والشيب في رأس الفتاة قبيح

والخال في خدّ الفتى عيبٌ به ... والخال في خدّ الفتاة مليح

[محاسن الورع]

محمد بن الحسين عن أبي همّام وكان يخدم ضيغماً قال: كنت معه في طريق مكة، فلما صرنا في الرمل نظر إلى ما تلقى الإبل من شدة الحر فبكى.

فقلت له: لو دعوت الله أن يمطر علينا كان أخف على هذه الإبل. قال: فنظر إلى السماء وقال: إن شاء ربي فعل. فوالله ما كان إلا أن تكلم حتى نشأت سحابة وهطلت.

وعن عطاء أن أبا مسلم الخولاني خرج إلى السوق بدرهم يشتري لأهله دقيقاً فعرض له سائل فأعطاه بعضه ثم عرض له آخر فأعطاه الباقي وأتى إلى النجارين فملأ مزوده من نشارة الخشب وأتى به منزله وخرج هارباً من أهله، فأخذت المرأة المزود فإذا دقيق حوّارى فعجنته وخبزت. فلما جاء قال: من أين هذا؟ قالت: الدقيق الذي جئت به.

وعن أبي عبد الله القرشي عن رجل قال: دخلت بئر زمزم فإذا أنا بشخص ينزع الدلو مما يلي الركن، فلما شرب أرسل الدلو فأخذته فشربت فضلته فإذا هو سويق لوزٍ لم أر سويق اللوز أطيب منه، فلما كانت القابلة في ذلك الوقت دخل الرجل وقد أسبل ثوبه على وجهه ونزع الدلو وشرب وأرسل الدلو، فأخذته وشربت فضلته فإذا هو ماء مضروب بالعسل لم أشرب شيئاً قط أطيب منه، فأردت أن آخذ طرف ثوبه فأنظر من هو ففاتني، فلما كان في السنة الثالثة قعدت قبالة زمزم فلما كان في ذلك الوقت جاء الرجل وقد أسبل ثوبه على وجهه فدخل فأخذت طرف ثوبه، فلما شرب من الدلو وأرسلها قلت: يا هذا أسألك برب هذه البنيّة من أنت؟ قال: تكتم عليّ حتى أموت؟ قلت: نعم. قال: أنا سفيان، وهو الثوري، فتناولت فضلته فإذا هو ماء مضروب بالسكر الطبرزد لم أر قط أطيب منه، فكانت تلك الشربة تكفيني إذا شربتها إلى مثلها من الوقت لا أجد جوعاً ولا عطشاً.

وقال الأصمعي: رأيت أعرابياً يكدح جبينه بالأرض يريد أن يجعل سجادة فقلت: ما تصنع؟ قال: إني وجدتها نعم الأثر في وجه الرجل الصالح.

ومما قيل من الشعر من هذا الفن منهم بشار حيث يقول:

كيف يبكي لمحبسٍ في طلول ... من سيقضي ليوم حبسٍ طويل

إن في البعث والحساب لشغلاً ... عن وقوفٍ برسم دارٍ محيلٍ

ولمحمد بن بشير:

ويلٌ لمن لم يرحم الله ... ومن تكون النار مثواه

يا حسرتا في كل يومٍ أتى ... يذكرني الموت وأنساه

كأنه قد قيل في مجلسٍ ... قد كنت أتيه وأغشاه

صار البشيري إلى ربه ... يرحمنا الله وإياه

ولجرير:

إن الشقي الذي في النار منزله ... والفوز فوز الذي ينجو من النار

يا رب قد أسرفت نفسي وقد علمت ... علماً يقيناً لقد أحصيت أثاري

فاغفر ذنوباً إلهي قد أحطت بها ... رب العباد وزحزحني عن النار

ولذي الرمة بيت:

إن تنج منها تنج من ذي عظيمةٍ ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا

ولآخر:

<<  <   >  >>