وقع لك واجتزت به فنزل إليك وسلّم فرددت عليه كرده عليك في هذا اليوم، قال: فوالله إن كان إلا أن قلت حتى اربدّ لونه وجفّ ريقه واعتقل لسانه وبقي لا يتكلم بحرف ملياً، ثم قال بلسان ثقيل: لكأني في ذلك الموضع في ذلك اليوم، فالحمد لله للذي رأيته لأمير المؤمنين، فعل الله به وفعل، قال: فتغنّمت ذلك وقمت وأنا ألتفت ونهضت حتى أتيت المعتصم، فقال لي: هيه يا حمدون! فقلت: يا أمير المؤمنين أتيت إبراهيم وقلت له ما أمرتني به فأظهر سروراً ودعاء وقال كيت وكيت، فقال: والله قال بحياتي؟ قلت: وحياتك يا أمير المؤمنين، قال: فكيف رأيت وجهه؟ فلم أدر ما أقول فقلت: يا أمير المؤمنين بالله لمّا تركتني من وجه عمّك الذي لا يتبين فيه فرح ولا حزن، فاستضحك ثم أمسك وتخلّص إبراهيم، ودعا بالطعام فأكلنا ثم رقد، فلما انتبه وجلس دعا بإبراهيم وسائر الندماء فشرب وبرّ إبراهيم وألطفه. قع لك واجتزت به فنزل إليك وسلّم فرددت عليه كرده عليك في هذا اليوم، قال: فوالله إن كان إلا أن قلت حتى اربدّ لونه وجفّ ريقه واعتقل لسانه وبقي لا يتكلم بحرف ملياً، ثم قال بلسان ثقيل: لكأني في ذلك الموضع في ذلك اليوم، فالحمد لله للذي رأيته لأمير المؤمنين، فعل الله به وفعل، قال: فتغنّمت ذلك وقمت وأنا ألتفت ونهضت حتى أتيت المعتصم، فقال لي: هيه يا حمدون! فقلت: يا أمير المؤمنين أتيت إبراهيم وقلت له ما أمرتني به فأظهر سروراً ودعاء وقال كيت وكيت، فقال: والله قال بحياتي؟ قلت: وحياتك يا أمير المؤمنين، قال: فكيف رأيت وجهه؟ فلم أدر ما أقول فقلت: يا أمير المؤمنين بالله لمّا تركتني من وجه عمّك الذي لا يتبين فيه فرح ولا حزن، فاستضحك ثم أمسك وتخلّص إبراهيم، ودعا بالطعام فأكلنا ثم رقد، فلما انتبه وجلس دعا بإبراهيم وسائر الندماء فشرب وبرّ إبراهيم وألطفه.
[مساوئ التيقظ وتركه]
قيل لبعض بني أمية: ما كان سبب زوال ملكهم؟ فقال: قلة التيقظ وشغلنا بلذّاتنا عن التفرغ لمهمّاتنا ووثقنا بكفاتنا فآثروا مُوافقهم علينا وظلم عمّالنا رعيتنا ففسدت نيّاتهم لنا وحُمل على أهل خراجنا فقلّ دخلنا وبطل عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا واستدعاهم أعداؤنا فأعانوهم علينا وقصدنا بّغاتنا فعجزنا عن دفعهم لقلة نصّارنا، وكان أول زوال ملكنا استتار الأخبار عنا فزال ملكنا عنّا بنا.
[محاسن الرسل]
يقال إن ملوك العجم كانت إذا احتاجت إلى أن تختار من رعيتها من تجعله رسولاً تمتحنه أولاً بأن توجهه إلى بعض خاصتها ثم تقدم عيناً على الرسول يحضر ما يؤدّيه من الرسالة ويكتب كلامه، فإذا رجع الرسول بالرسالة جاء العين بما كتب من ألفاظه وأجوبته فقابل بها الملك ألفاظ ذلك الرسول فإن اتفقت معانيها عرف بها الملك صحة عقله وصدق لهجته ثم جعله رسولاً إلى عدوه وجعل عليه عيناً يحفظ ألفاظه ويكتبها ثم يرفعها إلى الملك فإن اتفق كلام الرسول وكلام عين الملك وعلم أن رسوله قد صدقه عن عدوه ولم يزد عليه جعله رسولاً إلى ملوك الأمم ووثق به ثم بعد ذلك يقيم خبره مقام الحجة ويصدّق قوله.
وكان أردشير يقول: كم من دمٍ سفكه الرسول من غير حله ولا حقه وكم من جيوش قد قتلت وعساكر قد انتهكت ومال قد انتهب وعهد قد نقض بجناية الرسول وأكاذيبه، وكان يقول: على الملك إذا وجه رسولاً إلى ملك آخر أن يردفه بآخر وإن وجه رسولين أتبعهما بآخرين، وإن أمكنه أن لا يجمع بينهما في طريق ولا ملاقاة وألا يتعارفا فيتفقا ويتواطآ في شيء فعل، ثم عليه إن أتاه رسول بكتاب أو رسالة من ملك في خير أو شر أن لا يحدث حدثاً في ذلك حتى يكتب إليه مع رسول آخر ويحكي به كتابه الأول حرفاً حرفاً، فإن الرسول ربما خرم ما أُملي عليه وافتعل الكتب وحرّض المرسل على المرسَل إليه وأغراه به وكذب عليه، ومنها قال أبو الأسود وقد سمع رجلاً ينشد:
إذا كنت في حاجةٍ مرسلاً ... فأرسل حكيماً ولا توصه
فقال: قد أساء القول، أيعلم الغيب؟ إذا لو يوصه كيف يعلم ما في نفسه؟ ألا قال:
إذا أرسلت في أمر رسولاً ... فأفهمه وأرسله أديبا
ولا تترك وصيته لشيءٍ ... وإن هو كان ذا عقل أريبا
وإن ضيعت ذاك فلا تلمه ... على أن لم يكن علِم الغيوبا