قال: واختصم رجلان إلى عمر بن عبد العزيز فجعلا يلحنان فقال الحاجب: قُما فقد أوذيتما أميرُ المؤمنين. فقال عمر: أنت والله أشدّ أذاء إليّ منهما.
وعن أبي داود قال: أرسل المعتصم إلى أشناس فطلب منه كلب صيد فوجه به إليه فرده وهو يعرج. فكتب إليه أشناس بشعر قاله:
الكلب أخذت جيدٌ مكسور رجلٍ جبت
ُردَّ جيدٌ كما كلبٌ كنت أخذت
فكتب إليه المعتصم:
الكلب كان يعرجُ يوم الذي به بعثت
لو كان جاء مخبراً خبّر رجلُ كلبٍ أنت
قال: وقال بشر المريسيّ وكان كثير اللحن: قضى لكم الأمراء على أحسن الوجوه وأهنؤها. فقال القاسم التمار: هذا على قوله:
إن سليمى والله يكلؤها ... ضنّت بشيءٍ ما كان يرزؤها
فكان احتجاج القاسم أطيب من لحن بشر.
قال: وكان زياد النبطي شديد اللكنة وكان نحوياً فدعا غلامه ثلاثاً فلما أجابه قال: فمن لدن دأوتك فقلت لي إلى أن جيتني ما كنت تصنأ، يريد دعوتك وتصنع.
قال: ومرّ ماسرجويه الطبيب بمعاذ بن سعيد فقال: يا ماسرجويه إني أجد في حلقي بححاً، قال: هو من عمل بلغمٍ، فلما جاوزه قال: تراني لا أحسن أن أقول بلغم، ولكنه قال بالعربية فأجبته بخلافه.
وقال ثمامة: بكر أحمد بن أبي خالد يوماً يعرض القصص على المأمون فمرّ بقصة فلان اليزيدي وكان جائعاً فصحّف وقال: فلان الثريدي، فضحك المأمون وقال: يا غلام ثريدة ضخمة لأبي العباس فإنه أصبح جائعاً. فخجل أحمد وقال: ما أما بجائع يا سيدي ولكن صاحب القصة أحمق وضع على نسبته ثلاث نقطات كأثافي القدر، قال: دع هذا فالجوع اضطرك إلى ذكر الثريد والقدر. فجاؤوه بصحفة عظيمة كثيرة العُراق والودك فاحتشم أحمد. فقال المأمون: بحياتي عليك إلا عدلت نحوها، فوضع القصص ومال إلى الثريد فأكل حتى انتهى، فلما فرغ دعا بطشت فغسل يده ورجع إلى القصص فمرّ بقصة فلان الحمصي فقال: فلان الخبيصيّ. فضحك المأمون وقال: يا غلام هات جاماً فيه خبيص فإن طعام أبي العباس كان مثبوراً. فجعل أحمد وقال: يا أمير المؤمنين صاحب هذه القصة أحمق فتح الميم فصارت كأنها ثنتان. قال: دع عنك هذا فلولا حمقه وحمق صاحبه متّ جوعاً. فجاؤوه بجام فيه خبيص، فأتى عليه وغسل يده وعاد إلى القصص فما أسقط بحرف حتى فرغ.
حدثنا العباس بن جرير قال: كان للمهدي خصيّ كان معجباً فضمّ إليه معلماً نحوياً يعلّمه القرآن وكان الخصي عجمياً لا يُفصح فقال في هل أتى: يوماً عبوساً كمتريراً. وقال في الجن: نكعد منها مكاعد للسمع، فقال النحوي:
ولثقل الجبال أهون مما ... كلفوني من الخصيّ نجاح
نفّر النحو حين مرّ بلحيي ... هـ فألفيته شديد الجماح
قال في هل أتى فأوجع قلبي ... كمتريرا وكدّه بالصياح
وقال رجل من الصالحين: لئن أعربنا في كلامنا حتى ما نلحن لقد لحنّا في أعمالنا حتى ما نعرب. وأنشد في مثله:
أما تراني وأثوابي مقاربةٌ ... ليست بخزٍّ ولا من خزّ كتان
فإن في المجد همّاتي وفي لغتي ... علويةٌ ولسان غير لحّان
[محاسن الشعراء]
قال الخليل بن أحمد: الشعراء أمراء الكلام يجوز لهم شق المنطق وإطلاق المعنى ومدّ المقصور وقصر الممدود.
وقال معمر بن المثنى أبو عبيدة: افتتح الشعر بامريء القيس وختم بابن هرمة.
وقال أبو عبيدة: الشعراء في الجاهلية من أهل البادية أهل نجد، منهم: امرؤ القيس، والنابغة، وزهير، ودريد بن الصمة، ومنهم كثيّر في الإسلام، فهؤلاء الشعراء الفحول الذين مدحوا وفخروا وذموا ووصفوا الخيل والمطر والديار وأهلها، وأشعر أهل المدن أهل يثرب وأهل الطائف وعبد القيس، وليس في بني حنيفة شاعر، وأشعر الشعراء ثلاثة: امرؤ القيس، والنابغة، وزهير ثم الأعشى. وأشعر الفرسان ثلاثة: عنترة بن شداد، ودريد بن الصمة، وعمرو بن معدي كرب، وأشعر الشعراء المقلين ثلاثة: المتلمس، والمسيب بن علس، وحصين بن حمام المريّ، وأشعر العرب واحدة طويلة جمعت جودة مع طول ثلاثة: طرفة بن العبد في قوله:
لخولة أطلالٌ ببرقة ثهمد
والحارث بن حلّزة في قوله:
آذنتنا ببينها أسماء
وعمرو بن كلثوم في قوله:
ألا هبّي بصحنك فاصبحينا
وأشعر أهل زماننا ثلاثة: جرير، والفرزدق، والأخطل.