قال: وقيل لمعاوية بن أبي سفيان: من رأيت شر الناس؟ فقال: علقمة ابن وائل الحضرمي، قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأمرني أن أنطلق به إلى منزل رجل من الأنصار أنزله عليه، فانطلقت معه وهو على ناقته وأنا أمشي في ساعة حارة وليس عليّ حذاء، فقلت: احملني يا عم من هذا الحر فإنه ليس عليّ حذاء. فقال: لستَ من أرداف الملوك. قلت: أنا ابن أبي سفيان، قال: قد سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول ذلك. قال فقلت: الق إليّ نعليك. قال: لا تقلّهما قدماك، ولكن امش في ظلّ ناقتي وكفى لك بذلك شرفاً، وإن الظل لك لكثير. فما مرّ بي مثل ذلك اليوم. ثم أدرك سلطاني فلم أؤاخذه بذلك بل أجلسته على سريري هذا وقضيت حوائجه.
ومنهم دريد بن الصمة بن غزية وكان من المعمّرين قال: يا بني أوصيكم بالناس شراً، لا تتبعوا لهم خيراً، كلموهم نزراً والحظوهم شزراً ولا تقبلوا لهم عذراً ولا تقيلوهم عثرة، ثم أنشأ يقول:
يا رُبّ نهبٍ صالحٍ حويته ... وربّ غيلٍ حسنٍ لويته
لو كان للدهر بلىً أبليته ... أو كان قرناً واحداً كفيته
اليوم يبنى لدريدٍ بيته
[محاسن ذكر التنعم]
يضرب المثل بخريم الناعم، وهو خريم بن عمرو من بني مرة بن عوف، قيل له الناعم لأنه كان يلبس الخلق في الصيف والجديد في الشتاء. وسأله الحجاج: ما النعمة؟ قال: الأمن فإني رأيت الخائف لا ينتفع بنفسه ولا بعيشه. قال: زدني. قال: الغنى فإني رأيت الفقير لا ينتفع بعيش. قال: زدني. قال: الصحة فإني رأيت السقيم لا ينتفع بعيش. قال: زدني. قال: الشباب فإني رأيت الشيخ لا ينتفع بعيش. قال: زدني. قال: لا أجد مزيداً.
قال: وقال زياد لجلسائه: من أنعم الناس عيشاً؟ قالوا: أمير المؤمنين. قال: هيهات فأين ما يلقى من الرعية؟ قالوا: فأنت أيها الأمير. قال: فأين ما يرد عليّ من الثغور والخراج؟ بل أنعم الناس عيشاً شاب له سدادٌ من عيشٍ وحظّ من دين وامرأة حسناء رضيها ورضيته لا يعرفنا ولا نعرفه.
قال وقال عمرو بن العاص لمعاوية: يا أمير المؤمنين ما بقي من شبابك وتلذذك؟ قال: والله ما بقي شيء يصيبه الناس من الدنيا إلا وقد أصبته، أما النساء فلا إرب لي فيهن ولا لهن فيّ، وأما الطيب فقد شممته حتى ما أبالي به، وأما الثياب فقد لبست من ليّنها وجيّدها حتى ما أبالي ما ألبس، فما شيء ألذّ عندي من شربة باردة في يوم صائف ونظري إلى بنيّ وبني بنيّ يدرجون حولي، فأنت يا عمرو ما بقي من لذتك؟ قال: أرض أغرسها فآكل من ثمرها وأنتفع بغلّتها. ثم التفت معاوية إلى وردان فقال: يا وريد ما بقي من لذتك؟ قال: صنائع كريمة أعتقدها في أعناق الرجال لا يكافئوني عليها تكون لأعقابي من بعدي. فقال معاوية: تباً لهذا المجلس يغلبنا عليه هذا العبد! قال: وقال قتيبة بن مسلم لوكيع بن أبي سود: ما السرور؟ قال: لواء منشور وجلوس على السرير والسلام عليك أيها الأمير. وقال لحضين بن المنذر: ما السرور؟ قال: امرأة حسناء في دارٍ قوراء وفرس بالفناء.
وقيل لرجل من بني قشير: ما السرور؟ قال: الأمن والعافية. قال: صدقت. وقد قيل: العيش في سعة الرزق وصحة الجسم وإقبال الزمان وعز السلطان ومعاشرة الإخوان.
وقيل: نعيم المتوسطين لون مشبع وكأس مترع وصديق ممتع وغنىً مقنع. وقيل: راحة البدن النوم، وراحة الدار أن تسكن. وقال بعضهم: ليس سرور النفس بالجدة إنما سرورها بالأمل. وقيل لبعضهم: أي الأمور أمتع؟ قال: الأماني، وأنشد في ذلك:
إذا تمنيت بتُّ الليل مغتبطاً ... إن المنى رأس أموال المفاليس
لولا المنى متُّ من همٍ ومن جزعٍ ... إذا تذكرت ما في داخل الكيس
وقيل لعبد الله بن الأهتم: ما السرور؟ قال: رفع الأولياء وحط الأعداء.
وقال بعضهم: السرور توقيعٌ نافذ وأمر جائز. وقال عبد الرحمن بن أبي بكر: السرور إدراك الأماني. وقال آخر: السرور معانقة الأحبة والرجوع إلى الكفاية. وقال بعضهم: العيش محادثة الإخوان والانتقال إلى كفاية.