وقال بعض الفلاسفة: ينبغي للعاقل أن يتقي البرد في أول الشتاء وفي آخره. فقيل له: ففي وسطه؟ قال: ذاك يتقيه العاقل والأحمق.
قيل: وأوصى بعض الحكماء ولده فقال له: إياك أن تسير شبراً من الأرض وأنت حافٍ، ولا تذوقن نبتة ولا تشمنها حتى تعرفها، وإياك وأن تبول في شق الأرض فتخرج منه عليك داهية، ولا تشرب من فم قربة ولا إداوة حتى يكون الماء معيناً، واحذر مرافقة المعرفة ومن لا تعرف فلا تصاحبه، وإياك والسجود على بارية جديدة حتى تمسحها بكمك فرب شظية حقيرة فقأت عيناً خطيرة، ولا تنظرن في بئر عادية، ولا تشهدن من الحيوان الكبار ما هو في النزع، واقبل وصيتي ترشد ولا تدعها فتندم.
قيل: ودخل أعرابي ذو كدنةٍ على معاوية بن أبي سفيان فأعجبه فقال: يا أعرابي مم هذا السمن؟ قال: لا آكل حتى أجوع وأستوثق من أطرافي في الشتاء وأغفل غاشية الهجر.
وقال بعض الفلاسفة: اخضع للريح خضوعك للملك، وجاهد البلغم مجاهدة عدوك، ودار المرة مداراتك صديقك، وأنزل دمك في السنة مرة أو مرتين، وروّ مشاشتك من ماء لحوم الطير، وعليك بالشراب الأصفر فإنه حليف الروح.
وذكر أبو الحسين محمد بن أحمد بن يحيى بن أبي البغل عن أحمد بن أبي الأضبع وكان كاتباً لأحمد عن يحيى بن ماسويه قال: أكل الفالوذ لصاحب النبيذ عندنا من شر الطب.
وقيل: ما من أحد إلا وفيه أربعة عروق: عرق الجُذام وعرق البرص وعرق العمى وعرق الجنون، فإذا تحرك عرق الجذام قمعه الله بالزكام فأذهبه، وإذا تحرك عرق البرص سلط الله جل وعز عليه الدماميل فأذهبته، وإذا تحرك عرق الجنون سلّط الله عليه البلغم فقطعه، وإذا تحرك عرق العمى سلط الله عليه الرمد فأذهبه.
وقد روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم: لا تكرهوا أربعاً لأربع، لا تكرهوا الزكام فإنه يقطع عرق الجذام، وتكرهوا السعال فإنه يقطع عرق الفالج، ولا تكرهوا الرمد فإنه يقطع عرق العمى، ولا تكرهوا الدماميل فإنها تقطع عرق البرص.
وروي عن علي، رضي الله عنه، أنه قال: من ابتدأ غداءه بالملح أذهب الله عنه سبعين نوعاً من السوء، ومن أكل إحدى وعشرين زبيبة حمراء لم ير في جسده شيئاً يكرهه، ومن أكل سبع تمرات عجوة قتلت كل دابة في بطنه، واللحم ينبت اللحم، والثريد طعام العرب، والسواك وقراءة القرآن يذهبان بالبلغم، والبقر لحومها داء وألبانها دواء وسمنها شفاء، والسمك يذيب الجسد، والشحم يخرج مثله من الداء، ولن يتداوى الناس بمثل السمن، ولن تستشفي النفساء بمثل الرطب، والمرء يسعى بجده والسيف يقطع بحده، ومن أراد البقاء ولابقاء فليباكر الغداء وليخفف الرداء وليقلل من غشيان النساء. وخفة الرداء قلة الدّين.
قيل: من بات والهندباء في جوفه بات آمناً من الدبيلة، ومن بات والفجل في جوفه بات آمناً من البشم، ومن بات والكرفس في جوفه بات آمناً من وجع الأضراس، ومن بات والجرجير في جوفه بات وعروق الجذام تتردد في صدره، ومن بات والكرّاث في جوفه بات آمناً من البواسير.
وقال بعض الفلاسفة: لا ينبغي للعاقل أن يستخف بالقليل من ثلاثة أشياء، بالقليل من النار والقليل من السلطان والقليل من السقم.
وقال أبو هفان: حدثني العباس بن المأمون قال: كنت عند المأمون ذات يوم وعنده الموبذ فسأله: ما أنفع الأشياء؟ فقال: الاقتصاد في الطعم والشرب فإن كثيره يثقل الجسم ويوهن العلم والفهم ويكدّر صفاء البشرة ويفتح الأدواء ويخمد نار المعدة ويمحق شرف صاحبه. فقال المأمون: لو أسلمت يا موبذ ولم أستقضك كنت قد ضيعت حجة الله في أرضه.
الحسن بن علي بن زيد قال: سمعت علي بن الجعد يقول: لما قدم بختيشوع الأكبر على أبي جعفر من السوس أمر له بالطعام، فلما وضع بين يديه الخوان قال: الشرب. قيل له: لا يُشرب على مائدة أمير المؤمنين. قال: لا آكل طعاماً ليس معه شراب. فأُخبر أمير المؤمنين بذلك، فقال: دعوه. فلما حضر العشاء فعل به مثل ذلك، فطلب الشراب، فقيل له: لا يُشرب على مائدة أمير المؤمنين. فتعشى وشرب ماء دجلة. فلما كان الغد نظر إلى مائه فقال: ما كنت أحسب شيئاً يجري مجرى الشراب فهذا ماء دجلة يجري مجرى الشراب. يريد في المنفعة أنه مثله.
مساوئ ما يفسد البدن