للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال وقال عبد الملك بن مروان لسلمة بن زيد الفهمي: أي الزمان أدركت أفضل وأي الملوك؟ فقال: أما الملوك فلم أر إلا ذاماً أو حامداً، وأما الزمان فيضع قوماً ويرفع آخرين وكلهم يذمّ زمانه لأنه يبلي جديدهم ويطوي أعمارهم ويهرم صغيرهم وكل ما فيه منقطع إلا الأمل. قال: فأخبرني عن فهم. قال: هم كما قال الشاعر:

درج الليل والنهار على فه ... م بن عمرو فأصبحوا كالرميم

وخلت دارهم فأضحت يباباً ... بعد عزٍّ وثروةٍ ونعيم

وكذاك الزمان يذهب بالنا ... س وتبقى ديارهم كالرسوم

قال: فمن يقول منكم:

رأيت الناس مذ خلقوا وكانوا ... يحبّون الغنيّ من الرجال

وإن كان الغنيّ أقل خيراً ... بخيلاً بالقليل من النوال

فما أدري علام وفيم هذا ... وماذا يرتجون من البخال

أللدنيا فليس هناك دنيا ... ولا يُرجى لحادثة الليالي

قال: أنا وقد كتمتها.

قال: ولما دخل عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، المدائن نظر إلى إيوان كسرى فأنشده بعض من حضره قول الأسود بن يعفر:

ماذا أؤمل بعد آل محرِّقٍ ... تركوا منازلهم وبعد إياد

أهل الخورنق والسدير وبارقٍ ... والقصر ذي الشرفات من سنداد

نزلوا بأنقرةٍ يسيل عليهم ... ماء الفرات يسيل من أطواد

أرضٌ تخيّرها لطيب مقيلها ... كعب بن مامة وابن أمّ دؤاد

جرت الرياح على محل ديارهم ... فكأنما كانوا على ميعاد

فأرى النعيم وكلُّ ما يلهى به ... يوماً يصير إلى بلىً ونفاد

فقال علي، رضي الله عنه: أبلغ من ذلك قول الله جل وعز: " كم تركوا من جناتٍ وعيون وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوماً آخرين ".

وقال عبد الملك ببن المعتز: أهل الدنيا كصورة في صحيفة كلما نُشر بعضها طوي بعضها. وقال: أهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيام.

وقال بعضهم: طلاق الدنيا مهر الجنة.

وذكر أعرابي الدنيا فقال: هي جمّة المصائب رنقة المشارب لا تمتعك الدهر بصاحب.

وقال أبو الدرداء: من هوان الدنيا على الله جل وعز أنه لا يُعصى إلا فيها ولا ينال ما عنده إلا بتركها.

وقيل: إذا أقبلت الدنيا على امريء أعارته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.

[ما قيل فيه من الشعر]

قال الأصمعي: ووجد في قبة لسليمان بن داود، عليه السلام، مكتوب:

ومن يحمد الدنيا لشيء يناله ... فسوف لعمري عن قليلٍ يلومها

إذا أدبرت كانت على الناس حسرةً ... وإن أقبلت كانت كثيراً همومها

وكان إبراهيم بن أدهم ينشد:

نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع

وقال أبو العتاهية:

يا من ترفّع بالدنيا وزينتها ... ليس الترفّع رفع الطين بالطين

إذا أردت شريف القوم كلهم ... فانظر إلى ملكٍ في زي مسكين

ولآخر:

هب الدنيا تساق إليك عفواً ... أليس مصير ذاك الزوال

فما ترجو بشيءٍ ليس يبقى ... وشيكاً ما تغيره الليالي

محمود الورّاق:

هي الدنيا فلا يغررك منها ... مخايل تستفزّ ذوي العقول

أقل قليلها يكفيك منها ... ولكن ليس تقنع بالقليل

تشيد وتبتني في كل يومٍ ... وأنت على التجهّز والرحيل

ومن هذا الذي يُبقي عليها ... مضاربه بمدرجة السيول

ولآخر:

أيا دنيا حسرت لنا قناعاً ... وكان جمال وجهك في النقاب

ديارٌ طال ما حجبت وعزّت ... فأصبح إذنها سهل الحجاب

وقد كانت لها الأيام ذلّت ... فقد قُرنت بأيام صعاب

كأن العيش فيها كان ظلاً ... يُقلّبه الزمان إلى ذهاب

ولآخر:

دنيا تداولها العباد ذميمةٌ ... شيبت بأكره من نقيع الحنظل

وثبات دنيا لا تزال ملمةً ... منها فجائع مثل وقع الجندل

ولآخر بيت:

<<  <   >  >>