وعن أبي بكر الهذلي قال: بعث عمر بن هبيرة إلى الحسن البصري وابن سيرين والشعبي فقدموا عليه وهو بواسط، وكان رجلاً يحب حسن السيرة ويسمع من الفقهاء، فلما دخلوا عليه ألطفهم وأمر لهم بنزل وحسن ضيافة، فأقاموا على بابه شهراً، فغدا عليهم حسن بن هبيرة ذات يوم فقال: إن الأمير داخل عليكم، فجاء يتوكأ على عكاز له حتى دخل فسلم ثم قال: إن يزيد بن عبد الملك عبد من عبيد الله أخذ عهودهم وأعطاهم عهده كي يسمعوا له ويطيعوا، وإنه يأتيني منه كتب أعرف في تنفيذها الهلكة فإن أطعته عصيت الله، فماذا تأمرون؟ فقال الحسن: يا ابن سيرين أجب الأمير. فسكت. فقال للشعبي: أجب الأمير. فتكلم بكلام هيبةٍ، فقال: يا أبا سعيد ما تقول؟ فقال: أما إذ سألتني فإنه يحق عليّ أن أجيبك: إن الله جل وعز مانعك من يزيد ولن يمنعك يزيد من الله، وإنه يوشك أن ينزل بك ملك من السماء فيستنزلك من سريرك وسعة قصورك إلى باحة دارك ثم يخرجك من باحة دارك إلى ضيق قبرك ثم لا يوسع عليك إلا عملك. يا ابن هبيرة إني أنهاك عن الله جل وعز، فإنما جعل الله جل وعز السلطان ناصراً لعباده ودينه فلا تركبوا عباد الله سلطان الله فتذلوهم فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. يا ابن هبيرة لا تأمنن أن ينظر الله جل وعز إليك عند أقبح ما تعمل في طاعته نظرة مقت فيغلق عنك باب الرحمة. يا ابن هبيرة إني قد أدركت أناساً من صدور هذه الأمة كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم الله عليكم، وكانوا لحسناتهم أن لا تقبل أخوف منكم لسيئاتكم أن لا تغفر، وكانوا لثواب الآخرة أبصر منكم لمتاع الدنيا بأعينكم، وكانوا على الدنيا وهي عليهم مقبلة أشد إدباراً من إقبالكم عليها وهي عنكم مدبرة. يا عمر إني أخوفك مقاماً خوفك الله جل وعز من نفسه فقال: ذلك أن خاف مقامي وخاف وعيدي. يا عمر إن تكن مع الله على يزيد يكفك الله بائقته، وإن تكن مع يزيد الله على الله يكلك الله إليه. قال: فبكى ابن هبيرة وقام في عبرته وانصرف وأرسل إليهم من الغد بجوائزهم وأعطى الحسن أربعة آلاف درهم وابن سيرين والشعبي ألفين ألفين. فخرج الشعبي إلى المسجد وقال: من قدر منكم أن يؤثر الله جل وعز على خلقه فليفعل، فإن ابن هبيرة أرسل إليّ وإلى الحسن وابن سيرين فسألنا عن أمر. والله ما علم الحسن شيئاً جهلته ولا علمت شيئاً جهله ابن سيرين ولكنا أردنا وجه ابن هبيرة فأقصانا الله جل وعز وقصّر بنا، وأراد الحسن وجه الله فحباه تبارك اسمه وزاده.
وعن المدائني عن علي بن حرب قال: قال الشعبي: جمعنا عمر بن هبيرة بواسط وفينا الحسن البصري فقال: أنا وليّ هذه الرعية وربما كان مني الشيء الذي لا أرضاه وأمور ترد عليّ من أمير المؤمنين أكره إمضاءها وإنفاذها. فقال الشعبي: لا عليك أيها الأمير، إنما الوالي والد يخطيء ويصيب، وما يرد عليك من رأي أمير المؤمنين فإن استطعت أن ترده فاردده وإلا فلا ضير عليك. فقال: ما تقول يا أبا سعيد؟ فقال الحسن: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من استرعاه الله جل وعز رعية فلم يحط من ورائها بالنصيحة حرّم الله عليه الجنة، وأما رأي أمير المؤمنين فإذا ورد عليك فاعرضه على كتاب الله وإن وافقه فأمضه وإن خالفه فاردده، فإن الله جل وعز يمنعك من يزيد ولن يمنعك يزيد من الله. ثم أقبل الحسن على الشعبي فقال: ويلك يا شعبي! يقول الناس إن الشعبي فقيه أهل الكوفة فدخل على جبار من الجبابرة فيزين له المعصية! فقال: والله يا أبا سعيد لقد قلت وأنا أعلم ما فيه! قال: ذلك أوكد للحجة عليك وأبعد لك من العذر.
قيل: ووجد في كتب بزرجمهر صحيفة فيها: إن حاجة الله جل وعز إلى عباده أن يعرفوه، فمن عرفه لم يعصه طرفة عين. كيف البقاء بعد الفناء؟ كيف يأسى المرء على ما فاته والموت يطلبه؟ فقال كسرى: لم يكن من حق عليه أن يُقتل وأنا نادم على ذلك.
قيل: وحضرت الوفاة رجلاً من حكماء فارس فقيل له: كيف حالك؟ فقال: كيف يكون حال من يريد سفراً بعيداً بغير زاد ويقدم على ملك عادل بغير حجة ويسكن قبراً موحشاً بغير أنيس؟!