من حسن وجهك تضحي الأرض مشرقة ... ومن بنانك يجري الماء في العود
فقال له المهدي: كذبت. قال: ولم ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: لقولك في معن بن زائدة:
ألِمّا على معن وقولا لقبره ... سقتك الغوادي مربعاً ثم مربعا
فيا قبر معنٍ كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا
فلما مضى معنٌ مضى الجود وانقضى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا
فكنت لدار الجود يا معن عامراً ... فقد أصبحت قفراً من الجود بلقعا
أبى ذكر معنٍ أن يميت فعاله ... وإن كان قد لاقى حماماً ومصرعا
فتىً عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعا
فقال: يا أمير المؤمنين إنما معنٌ حسنة من حسناتك وفعلة من فعلاتك، فأمر هل بألف دينار ثم قال: سل حاجتك. فقال:
بيضاء تسحب من قيامٍ فرعها ... وتغيب فيه وهو جعدٌ أسحم
فكأنها فيه نهارٌ مشرقٌ ... وكأنه ليلٌ عليها مظلم
قال: خذ بيدها، لجارية كانت على رأسه، فأولدها مطير بن الحسين بن مطير.
قال: ودخل مروان بن أبي حفصة على جعفر بن يحيى يسأله إيصاله إلى الرشيد وأنه قد مدحه بقصيدة ينشدها إياه وقد كان جعفر وصله بثلاثين ألف درهم كتب له بها إلى صالح الصيرفي وكانت فيها دراهم طبرية، فقال:
ثلاثون ألفاً كلها طبريةٌ ... دعا لي بها لما رأى الصك صالح
دعا بالزيوف الناقصات وإنما ... عطاء أبي الفضل الجياد الرواجح
فقلت له لما دعا بزيوفه ... أألجدُّ هذا منك أم أنت مازح
فلما أنشده ذلك جعفراً ضحك وقال: أنشدني مرثيتك في معن بن زائدة، فأنشده:
كأن الشمس يوم أصيب معنٌ ... من الظلماء ملبسةٌ جدولا
وكان الناس كلهم لمعنٍ، ... إلى أن زار حفرته، عيالا
فقال جعفر: هل أثابك على هذه المرثية أحد من ولده وأهله؟ قال: لا. قال: فلو كان حياً ثم سمعها منك بكم كان يثيبك؟ قال: بأربع مائة دينار. قال: أظن أنه كان لا يرضاها لك، قد أمرنا لك عن معن بأربعمائة كما ظننت وزدناك مثلها لما ظنناه به فيك فاغد على الخازن لقبضها منه.
قال: ودخل أعرابي على داود بن يزيد بالسند فقال: أيها الأمير تأهب لمديحي. فتأهب ثم قال: لئن أحسنت لأحسنن إليك ولئن أسأت لأردن شعرك عليك، فقال:
أمنت بداودٍ وجود يمينه ... من الحدث المخشيّ والبؤس والفقر
وأصبحت لا أخشى بداود نبوةً ... ولا حدثاناً إذ شددت به أزري
فما طلحة الطلحات ساواه في الندى ... ولا حاتم الطائي ولا خالد القسري
له حكم لقمانٍ وصورة يوسفٍ ... وملك سليمانٍ وصدق أبي بكر
فتىً تهرب الأموال من طلّ كفه ... كما يهرب الشيطان من ليلة القدر
فقال: يا أعرابي أحسنت فاحتكم وإن شئت فاردد الحكم إليّ. فقال: ما عند الأمير ما يسعه حكمه. فقال: أنت في هذا أشعر. وأمر هل بعشرة آلاف درهم.
قال: ودخل محمد بن الجهم على المأمون فقال: أنشدني أحسن ما سمعته في المديح. فقال: نعم يا أمير المؤمنين، قوله:
يجود بالنفس إذ ضنّ البخيل بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
فقال: أنشدني أخبث ما سمعته في الهجو، فقال قوله:
قُبحت مناظره فحين خبِرتَه ... حَسُنت مناظره لقبح المَخبر
قال: فأنشدني أحسن ما سمعته في المراثي، فقال قوله:
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر دلّ على القبر
ومثله:
على قبره بني القبور مهابةٌ ... كما قبله كانت على ساكن القبر
قال: فأنشدني أحسن ما سمعته في الغزل، قال قوله:
حبٌ مُجدٌّ وحبيبٌ يلعب ... وأنت ملقىُ بينهم معذَّب
فاستحسن الأبيات ثم أمر بتقليدي الصيمرة والسيروان ومهرجانقذق والدينور ونهاوند، فانصرفت من عنده بولاية الجبل.
[مساوئ منع الشعراء والبخل]
قيل: كان أبو عطاء السندي بباب أمير المؤمنين أبي العباس وبنو هاشم يدخلون ويخرجون، فقال: