قال: وكان علي بن الجهم يقع في مروان ويثلبه حسداً لمنزلته من أمير المؤمنين. فقال له المتوكل: يا علي أيكما أشعر؟ قال: أنا أشعر منه. قال: ما تقول يا مروان؟ قال: إذا حققت شعرك في أمير المؤمنين لم أبال بمن زيّف شعري. ثم التفت مروان إلى علي فقال: يا علي أنت أشعر مني؟ قال: نعم، تشكّ في ذا؟ قال أمير المؤمنين: بيني وبينك. قال: هو يحابيك. فقال المتوكل: هذا من عيّك. ثم التفت إلى حمدون النديم فقال: ذا حكم بينكما.
فقال: يا أمير المؤمنين تركتني بين لحيي الأسد! قال: لا بد أن تصدقني قال: يا أمير المؤمنين أعرقهما في الشعر أشعرهما، فقال المتوكل: يا مروان اهجه. قال: لا أبدأه ولكن يقول. فقال علي: قد كظّني النبيذ ولست أقدر أن أقول. قال مروان: لكني أقول:
إن ابن جهمٍ في المغيب يعيبني ... ويقول لي حسناً إذا لاقاني
وإذا التقينا فاق شعري شعره ... ونزا على شيطانه شيطاني
إن ابن جهمٍ ليس يرحم أمه ... لو كان يرحمها لما عاداني
فقال المتوكل: يا مروان بحياتي لا تقصر! فقال:
يا عليُّ يا ابن بدرٍ ... قلت أمي قرشيه
قلت ما ليس بحقٍ ... فاسكتي يا نبطيه
اسكتي يا بنت جهمٍ ... اسكتي يا حلقيه
قال: فجعل المتوكل يضرب برجله ويضحك وأمر لي بألف دينار، قال مروان: صرت إلى المتوكل فقلت:
سقى الله نجداً والسلام على نجد ... ويا حبذا نجدٌ على القرب والبعد
نظرت إلى نجدٍ وبغداد دونها ... لعلي أرى نجداً وهيهات من نجد
ونجدٌ بها قومٌ هواهم زيارتي ... ولا شيء أحلى من زيارتهم عندي
قال: فلما تممت إنشادها أمر لي بعشرين ومائة ألف درهم وخمسين ثوباً وثلاثة من الظهر فرساً وبغلة وحماراً، فما برحت حتى قلت في شكره:
تخيّر رب الناس للناس جعفرا ... فملّكه أمر العباد تخيّرا
فلما صرت إلى هذا البيت:
فأمسك ندى كفيك عني ولا تزد ... فقد خفت أن أطغى وأن أتجبّرا
قال: لا والله لا أمسك حتى أغرقك بجودي ولا تبرح أو تسأل حاجة.
قلت: يا أمير المؤمنين الضيعة التي أمرت بإقطاعي إياها من اليمامة ذكر ابن المدبر أنها وقف من المعتصم. قال: فإني أقبّلكها بخراج درهم. قلت: لا يحسن أن يؤدي درهم. فقال ابن المدبر: فألف درهم. قلت: نعم. فأمضاها لي ثم قال: ليست هذه حاجة. قلت: فضياعي التي كانت لي وحال ابن الزيات بيني وبينها. فأمر بردّها عليّ.
قال: وقال أبو يعقوب الخطابي: كنت جالساً عند معن بن زائدة وإذا عليه إزار يساوي أربعة دراهم، فقال: يا أبا يعقوب هذا إزاري وقد قسمت العام في قومك خاصة أربعين ألف دينار، فبينا نحن نتحدث إذ أبصر أعرابياً يحط به الآل من خوخةٍ مشرفة له على الصحراء، فقال لحاجبه: إن كان هذا يريدنا فأدخله! فدخل الأعرابي وسلّم وأنشأ يقول:
أصلحك الله قلّ ما بيدي ... فلا أطيق العيال إذ كثروا
ألح دهرٌ رمى بكلكله ... فأرسلوني إليك وانتظروا
قال: فاضطرب، وقال: أرسلوك وانتظروا! يا غلام ما فعل بغلتنا الفلانية؟ قال: حاضرة. قال: كم هي؟ قال: ألف دينار. قال: اطرحها إليه. ثم قال: اذهب إليهم بما معك ثم إذا احتجت فارجع.
وعن أبي يعقوب الخطابي قال: دخل أعرابي معه صبي صغير في نطع إلى معن بن زائدة وقال:
سميتُ معناً بمعنٍ ثم قلت له ... هذا سميّ امريءٍ في الناس محمود
أنت الجواد ومنك الجود أوله ... لا بل يمينك منها صورة الجود
فأعطاه ألف دينار.
قال: ودخل يزيد بن مزيد الشيباني أحد الأجواد مسجداً باليمن فوجد في قبلته مكتوباً:
مضى معنٌ وخلاني ببثّي ... على معن بن زائدة السلام
فسأل عن قائله، فإذا هو معهم، فقال: يا غلام أمعك شيء؟ قال: نعم ألف دينار. قال: فادفعها إليه. فخرج الرجل وهو يقول: رحم الله أبا الوليد وصلني حياً وميتاً.
وحدثنا جعفر بن منصور بن المهدي قال: حدثني أبي قال: حج المهدي فنزل زبالة فدخل حسين بن مطير الأسدي عليه فقال:
أضحت يمينك من جودٍ مصوّرةً ... لا بل يمينك منها صورة الجود