وقائد الكتيبة الكثيفه ... هل لك في أرجوزةٍ ظريفه
أظرف من فقه أبي حنيفه ... لا والذي أنت له خليفه
ما ظُلمت في أرضنا عفيفه ... أميرنا شكّته خفيفه
وما اجتبى شيئاً سوى الوظيفة ... فالذئب والنعجة في سقيفه
واللص والتاجر في قطيفه
فوالله ما أتممت إنشادها حتى جاءني زهاء عشرة آلاف فارس قد سدّوا الأفق وهم يقولون: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فأخذني القلق، ونظر إليّ بتلك الحال وشملي قد تبدد فقال: لا بأس عليك! قلت: يا أمير المؤمنين أمعذري أنت؟ قال: نعم. ثم التفت إلى خادم في جانبه وقال له: أعطه ما معك، فأخرج له كيساً فيه ثلاثة آلاف دينار وقال: هاك سلام عليك، فكان آخر العهد به.
حدثنا إبراهيم بن عبد السلام عن الحسين بن الضحاك قال: دخلت أنا ومحمد بن عمرو الرومي دار المعتصم بالله فخرج علينا كالحاً فجاء إيتاخ وقال: الملهون على الباب مخارق وعلويه وفلان وفلان. فقال: اغرب، عليك وعليهم لعنة الله! قال: فتبسمت إلى محمد وتبسم إليّ. فقال المعتصم: مم تبسمت يا حسين؟ قلت: من شيء خطر لي، قال: هاته، فأنشدته:
انف عن قلبك الحزن ... بدنوٍ من السكن
وتمتع بِكَرّ طر ... فك في وجهه الحسن
فدعا بألفي دينار، ألف لي وألف لمحمد بن عمرو. فقلت: يا أمير المؤمنين الشعر لي فما معنى ألف لمحمد؟ قال: لأنه جاء معك. وأمر الملهين بالدخول فأدخلوا، فما زال ينشد الشعر، ولقد قام يريد البول فسمعته يردده.
قال أبو العيناء: أنشدني المعتصم بعقب مدحٍ جرى لبغداد:
سقاني بعينيه كأس الهوى ... فظلت وبي منه مثل اللمم
بعيني مهاةٍ شقيقته ... وشنبٍ عذابٍ وفرعٍ أحم
قال أبو العيناء: فتوهمت أنه يعني سر من رأى ويكني عنها بذلك الكلام، فقلت: يا أمير المؤمنين قال مروان في جدك قريش: الأبلج ذو البهاء غيث العفاة غد الأنواء وهم زمام الدولة الزهراء. فقال: قل يا أبا عبد الله في مدح بني هاشم لك ولغيرك فلقد أصبت مقالاً، فأنشدته لمروان بن أبي حفصة:
إلى ملكٍ مثل بدر الدجى ... عظيم الفناء رفيع الدعم
قريع نزارٍ غداة الفخار ... ولو شئتُ قلتُ جميع الأمم
له كفُّ جودٍ تفيد الغنى ... وكفُّ تبيد بسيف النِّقم
فقال: زدني، فأنشدته:
انتجعي يا ناق ملك غالب ... قريش بطحاء أولي الأهاضب
والرأس ممدودٌ على المناكب ... مدَّ القباطيّ على المشاجب
فقال: زدني، فأنشدته:
يا قطب رجراجة الملحاء ... ومنزل البدر من السماء
والمجتدي في السنة العجفاء
فقال: حسبك يا أبا عبد الله. ثم التفت إلى جارية بين يديه فقال: عشر بدر ووصيفة وفرساً ومملوكاً وخمسين ثوباً الساعة، فجيء بذلك كله، فأعطاه إياه وانصرف. فقال له الناس: يا أبا العيناء ما هذا؟ قال: مال الله على يد عبد الله، الحمد لله والشكر لأمير المؤمنين ما دامت السماء وما حملت مقلتاي الماء.
قال أحمد بن أبي طاهر: أخبرني مروان بن أبي الجنوب قال: لما استُخلف المتوكل بعثت إليه بقصيدة مدحت فيها ابن أبي دؤاد وفي آخرها بيتان ذكرت فيهما ابن الزيات بين يدي ابن أبي دؤاد وهما:
وقيل ليَ الزيات لاقى حمامه ... فقلت أتاني الله بالفتح والنصر
لقد حفر الزيات بالغدر حفرةً ... فألقي فيها بالخيانة والغدر
فلما صارت القصيدة في يدي ابن أبي دؤاد ذكر لك للمتوكل وأنشده البيتين، فقال: احضرنيه. قال: هو باليمامة. قال: يُحمل. قلت: عليه دين. قال: كم؟ قلت: ستة آلاف دينار. قال: يعطاها. فأُعطيت ذلك وحملت وصرت إلى سر من رأى وامتدحت المتوكل بقصيدة أقول فيها:
رحل الشباب وليته لم يرحل ... والشيب حل وليته لم يحلل
فلما صرت من القصيدة إلى هذا البيت:
كانت خلافة جعفر كنبوةٍ ... جاءت بلا طلب ولا بتبخل
وهب الإله له الخلافة مثلما ... وهب النبوة للنبي المرسل
فأمر لي بخمسين ألف درهم.