قيل: وقال عبد الملك للحجاج: كيف تسير في الناس؟ قال: أنظر إلى عجوز أدركت زياداً فأسألها عن سيرته ثم أعمل بها. قال عوف الأعرابي: فأخذ والله بسيء أخلاقه وترك أحسنها.
قال: واختصم إلى زياد رجلان فقال أحدهما: أصلح الله الأمير! هذا يدل عليّ بخاصة زعم أنها له منك. فقال: صدق وسأخبرك، إن كان الحق لك عليه قضيت عليه وقضيت عنه، وإن كان الحق له عليك أخذتك به أخذاً عنيفاً.
[محاسن التأني]
قال بعض الحكماء: التؤدة يمن وفي اليمن النجح. وأنشد في ذلك القطامي:
قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: من حرم الرفق فقد حرم الخير.
ولأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه:
اصبر على مضض الإدلاج بالسحر ... وفي الرواح على الحاجات والبكر
لا تضجرنّ ولا يعجزك مطلبها ... فالنجح يتلف بين العجز والضجر
إني وجدت، وفي الأيام تجربةٌ، ... للصبر عاقبةً محمودة الأثر
وقلّ من جدّ في أمرٍ يحاوله ... فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، لعائشة، رضي الله عنها: عليك بالرفق فإن الرفق لا يخالط شيئاً إلا زانه ولا يفارق شيئاً إلا شانه، وخلق الله جلّ وعز السموات والأرض في ستة أيام ولو شاء جل وعز قال لها كوني فكانت، وفي المثل: رب عجلة تهب ريثاً، يقول: رب عجلة يراد بها صلاح الأمر فتفسده حتى لا يصلح إلا بعد مدة طويلة، فكأنها كانت ريثاً. وهذا قريب من قول بزرجمهر: إن شراً من التواني الاجتهاد في غير حينه. وأنشدنا ابن حمزة:
الخرق شؤمٌ والأناة سعادةٌ ... فاستأن حلمك في أمورك تسلم
وكان يقال: إن من الحزم الأناة والتثبيت فإن العجلة لا تزال تورث أهلها حسرة وندامة. وأنشد:
الرفق يمنٌ والأناة سعادةٌ ... فاستأن في رفقٍ تلاق نجاحا
[مساوئ العجلة والحدة]
قيل: سأل المأمون أحمد بن أبي خالد عن أخلاق أبي عباد ثابت الكاتب فقال: هو يا أمير المؤمنين أحدّ من سيف سعيد بن العاص وأنزق من مجنون البكرات، قال: ما أتبين ذلك فيه. قال: لموضع الخلافة وعلى ذاك فإن حركته تحرك. فأراد المأمون أن يمتحنه فدخل عليه فعرض ما معه من الحوائج فأمره أن يوقع فيها ثم خرج. فلما صار بالباب قال: ردوه. فرجع. فقال: افعل في الأهوازيين ما قلت لك ولا تعرض فيه رقعة. قال: نعم. ثم خرج. فلما صار بالباب قال: ردوه. فأتاه الرسول فقال: ارجع. فرجع. فقال: قل لعمرو بن مسعدة أخّر أمر أبي دلف حتى آمرك بما أريد. ثم خرج. فلما صار بالباب قال: ردوه. فأتاه الرسول فقال: ارجع. فتناول الدواة وقال: الساعة والله أضرب بها وجهك القبيح يا ابن الخبيثة! قال الغلام: ما ذنبي؟ قال: ينبغي أن تقول قد ذهب إلى النار. ورجع فقال: ارفع في غدٍ فيما تعرض قصة الهاشميّين. قال: نعم. ثم قال: والله لا أرجع بعدها! فضحك المأمون حتى أمسك بطنه وقال: انطلق راشداً.
قال: وقعد المأمون ذات يوم وأبو عباد يكتب بين يديه إذ دخلت شعرة بين سنّي القلم فأهوى لإخراجها بأسنانه ثم كتب فإذا هي على حالها، فأهوى إليها ثانية فقطع طرفها وبقي أصلها ثم كتب فإذا هي قد أعمّت حروفه، فأخذ القلم فاتكى عليه بأسنانه وكسره وقال: لعنك الله ولعن من يراك ولعن من أنت له! فضحك المأمون وقال: بحقّ قيل فيك ما قيل.
[محاسن المكافأة]
قال بعض الحكماء: لا يكونن سلاحك على عدوك أن تكثر سبّه وشتمه فإنك إنما تخبر عن خبره فيك وعجزك عنه، ولكن عامله بالكظم وساتره بالحيلة، فإن أقدمت أقدمت مع الفرصة وإن غلبت على الظفر لم تغلب على ستر العجز.
وقيل: الأدب الصبر على كظم الغيظ حتى تملك الفرصة.