للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقلت: فسّر ما قلت. قال: أما الرجل الذي تزوجت أمه فتكتب إليه أن الأقدار تجري بخلاف محابّ المخلوقين، وستر في عافية خير من شانئة في أهلها، والله يختار للعباد، فخار الله لك في قبضها إليه، فإن القبور أكرم الأكفاء.

وأما القراح فتمسح اعوجاجه ثم تنظر مبلغ الطرفين فتضرب بعضه في بعض فإذا استوى في يدك عقده رجعت إلى المستوي فضربته فيه حتى يخرج سواء.

وأما الحرة والسرية فيوزن لبنهما فأيهما كانت أحدّ لبناً فالابن لها.

وأما الجند فتكتب هذا أدحم الأعلم وهذا أحمد الأفلج.

وأما الشجة ففي المأمومة ثلاثة وثلاثون من الإبل وفي الموضحة خمسة من الإبل فتردّ عليه ما بين ذلك.

قلت: ألست تزعم أنك حائك؟ قال: أنا حائك كلام قعد بي الدهر فخرجت أريد بعض القرابة فصادفته قد صرف عن العمل فبقيت على هذه الحالة.

قال: فدعوت المزين فنظفه ودعوت له بثلاث خلع وصرت به إلى الرخجي وكلمته في أمره فوهب له خمسين ألف درهم وحمله على ثلاثة من الظهر ورجعت إلى أمير المؤمنين بالأموال، فقال: يا عمرو ما رأيت في طريقك؟ فأخبرته بقصة الرجل. فأطال التعجب منه وقال: ما فعل؟ قلت: يصير إليّ في كل يوم. قال: لما يصلح من الأعمال؟ قلت: للهندسة. قال: فوله. قال عمرو: فنظرت إليه بعد ذلك وهو يركب في موكب عظيم.

البيهقيّ قال البحتريّ: كنت قاعداً مع المتوكل إذ مرت سحابة فقال قل فيها. فقلت:

اذت ارتجاعٍ بحنين الرعد ... جرورة الذيل صدوق الوعد

مسفوحة الدمع بغير وجد ... لها نسيم كنسيم الورد

ورنّة مثل رنين الأسدولمع برقٍكسيوف الهند

جاءت به ريح الصبا من نجد ... فانتثرت مثل انتثار العقد

فأضحت الأرض بعيشٍ رغد ... كأنما غدرانها في الوهد

يلعبن من حبابها بالنرد

ثم أنشدته لمروان بن أبي حفصة:

لما سمعت ببيعةٍ لمحمد ... شفت النفوس وأذهبت أحزانها

بايعت مغتبطاً ولو لم تنبسط ... كفّي لبيعته قطعت بنانها

حتى انتهيت إلى قوله:

رجحت زبيدة والنساء شوائلٌ ... والله أرجح بالتقى ميزانها

فصاح بي صيحة فقال: كذبت وألمت يا عربدة! قل: رجحت قبيحة. ثم قال: أنشدني. فأنشدته للطائي:

لست لربعٍ عفا ولا قدمه ... ولست من كاتب ولا قلمه

فإن من يفخر الملوك به ... ويستعير الكريم من كرمه

ألحقني بالملوك معتصمٌ ... بالله والمسلمون في عصمه

خُلقت من طين مباركةٍ ... فالبرُّ من خيمه ومن شيمه

مازال إحسانه ونعمته ... عليّ حتى غرقت في نعمه

فأسأل الله فضل نعمته ... والأمن من بأسه ومن نقمه

فلما سمعها ارتاح وقال: أحسنت والله وما جزاؤك إلا أن أقطعك من موضعك إلى حيث تبلغ أمنيتك، فسل تعط. قال: ففكرت ساعة ثم قلت: تعطيني فتراً في فتر من قلبك. فقال: أحسنت أحسنت! أنت والله في هذا أشعر من الطائي في شعره. ثم قال: أنشدني. فأنشدته للحسين بن الضحاك:

كم لك لما احتمل القطين ... من زفرةٍ يتبعها الأنين

وعبرةٍ تحدرها الشوؤن ... إني ببغداد لمستكين

حظ الغريب الشوق والشجون ... يا لائمي لكل يومٍ هون

إليك عني إنني مفتون ... الشعر مني كاسدٌ ودون

وحان من تحريكه تسكين ... قد ركبت أربابها الديون

بضاعة أكسدها المأمون ... إمام عدلٍ للتقى أمين

قال: أحسنت يا أبا عبادة فماذا فعل به المأمون بعد إذ هجاه؟ قلت: أعيذك بالله من أن يجسر على هجاء المأمون. قال: فمن القائل فيه:

ولا فرح المأمون بالملك بعده ... ولا زال في الدنيا طريداً مشرّدا

قلت: يا أمير المؤمنين دعاه الموق والحين إلى هذا. قال: لا بأس فإنه قد تلا في هذا الكلام قوله:

رأى اللهُ عبد اللهِ خير عباده ... فملّكه والله أعلم بالعبد

قال فقلت: يا أمير المؤمنين أثقلت ظهري بالفوائد، فقال: إنا نأخذ ونعطي ونأتي بما يحيي المهج.

مساوئ من ذم الأدب

<<  <   >  >>