يبيت أبوك بها مغدفاً ... كما ساور الهرة الثعلب
وقد يولد من بين الكلاب والثعالب هذه الكلاب السلوقية الماهرة بالصيد.
وقيل: إنه يخرج من بين الذئب والكلبة ولد يسمّى الديسم، قال بشار:
أديسم يا ابن الذئب من نجل زارعٍ ... أتروي هجائي سادراً غير مقصر
وزارع اسم كلب يعرف بزارع.
وزعموا أنه يخرج من بين الذئب والضبع ولد يسمى السمع كالحية لا يعرف العلل ولا يموت إلا بعرض يعرض له وأنه أشدّ عدواً وأسرع من الريح، قال الشاعر:
مسبلٌ في الحيّ أحوى رفلُّ ... فإذا يغزو فسمعٌ أزلُّ
ومن عجائب التركيب فوالج البخت إذا ضربت في إناث البخت لم يخرج الحوار إلا قصير العنق لا ينال كلأً ولا ماء، وإذا ضربت الفوالج في العراب جاءت هذه الجوامز والبخت الكريمة، ومتى ضربت فحول العراب في إناث البخت جاءت هذه الإبل القبيحة المنظر.
وقد قيل في الإبل: إن فيها عرقاً من سفاد الجن وإن فيها إبلاً وحشية هي من بقايا إبل وبار، لما أهلكهم الله جل وعز بقيت إبلهم، وإن الجمل منها ربما صار إلى أعطان الإبل فضرب في ناقة فتجيء منه هذه المهرية والغسجدية التي تسمى الذهبية.
وزعموا أن ببلاد الحبشة ذكر الضباع يعرض للناقة من الوحش فيسفدها فتلقح بولد على خلقة الناقة والضبع، فإن كان أنثى يعرض لها الثور الوحشي فيضربها فيصير الولد زرافة ويسمى بالفارسية اشتر كاوبلنك، أي خرج من بين الجمل والثور والضبع، وقد جحد الناس أن يكون الزرافة الأنثى تلقح من الزرافة الذكر.
وأما النعامة فإنها لا تقع إلا من ذكر النعام وإناثها.
ومن نتاج الطير ما رواه بعضهم أنه رأى طائراً له صوت حسن زعموا أنه من نتاج ما بين القمري والفاختة، وقُنّاص الطير يزعمون أن أجناساً من الطير تلتقي على المياه فتسافد وأنهم لا يزالون يرون أشكالاً لم يروها قط فيقدرون أنها من تلاقيح تلك المختلفة.
[مساوئ النتاج]
فأما من يخرج من بين بني آدم فإنه إذا تزوج خراساني بهندية خرج من بينهما الذهب الإبريز غير أنه يحتاج أن يحرس ولدهما إذا كان أنثى من زناء الهند وإذا كان ذكراً من لواط رجال خراسان.
ومن خبث النتاج ابن المذكّرة من النساء والمؤنث من الرجال يكون أخبث نتاجاً من البغل وأفسد أعراقاً من السمع وأكثر عيوباً من كل خلق وأن يأخذ بأسوإ خصال أبيه وأردى خصال أمه فتجتمع فيه خصال الدواهي وأعيان المساوئ، وأنه إذا خرج كذلك لم ينجع فيه أدب ولم يطمع في علاجه طبيب، وقد رأينا في دور ثقيف فتى اجتمعت فيه هذه الخصال فما كان في الأرض يوم إلا وهم يتحدثون عنه بشيء يصغر في جنبه أكبر ذنب كان ينسب إليه، والخلاسي من الناس الذي يخرج من بين الحبشي والبيضاء، والبيسريّ من الناس الذي يخرج من بين البيض والهند ويكون من أحسن الناس وأجملهم.
[محاسن الوفاء]
قيل في المثل: هو أوفى من فكيهة، وهي امرأة من قيس بن ثعلبة كان من وفائها أن السُّلَيك بن السُّلَكة غزا بكر بن وائل فخرج جماعة من بكر فوجدوا أثر قدمٍ على الماء فقالوا: والله إنّ هذا لأثر قدم ترد الماء، فقعدوا له، فلما وافى حملوا عليه فعدا حتى ولج قبة فكيهة فاستجار بها، فأدخلته تحت درعها، فانتزعوا خمارها، ونادت إخوتها فجاؤوا عشرة فمنعوهم منها. قال: فكان السليك يقول: كأني أجد خشونة استها على ظهري حين أدخلتني درعها، وقال:
لعمر أبيك والأنباء تنمي ... لنعم الجار أخت بني عوارا
من الخفرات لم تفضح أخاها ... ولم ترفع لوالدها شنارا
فما ظلمت فكيهة حين قامت ... لنصل السيف وانتزعوا الخمارا
وقيل أيضاً: هو أوفى من أم جميل، وهي من رهط أبي هريرة من دوس، وكان من وفائها أن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي قتل أبا أُزيهر رجلاً من الأزد فبلغ ذلك قومه بالسراة فوثبوا على ضرار بن الخطاب ليقتلوه فعدا حتى دخل بيت أم جميل وعاذ بها، فقامت في وجوههم ونادت قومها فمنعوه لها، فلما قام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بالأمر ظنّت أنه أخوه فأتته بالمدينة، فلما انتسبت عرف القصة وقال: إني لست بأخيه إلا في الإسلام وهو غازٍ وقد عرفنا منّتك عليه، فأعطاها على أنها بنت سبيل.