قال: وكان في دار بعض جيرانه عرس فتجوّع ولزم منزله طمعاً في أن يدعى. فلما تعالى النهار وجاع ولم يُدع قال: قبح الله هذا الخبز! وقام إلى طعام له فقدمه وجعل يأكل. فسمع وقع الباب فقال: من هذا؟ قال: من دار العروس. قال: اصبر فديتك! ودخل الخلاء فرمى بجميع ما كان أكله وغسل فمه وخرج إليه فقال: تقول لك مولاتي أعيرونا الهاون ساعة. فقال: مرّ فأمك وأم مولاتك زانية يا ابن الفاعلة!
فنّ منه آخر
مرّ ضرير على رجل بصير فقال: أين الطريق؟ فقال البصير: خذ يمنةً. فأخذ يمنة فسقط في بئر. فقال البصير: إنا لله! غلطت، أردت أن أقول يسرةً فقلت يمنة. فقال الضرير من أسفل البئر: ويحك أهذا من الغلط الذي يستقال! قال: وقيل للعلاء بن عبد الكريم: بكم اكتريت الدار؟ فقال: بدينارين وطعامهما. قالوا: ويلك وما طعامهما؟ فقال: صاحب الدار يأكل معي كلما أكلت.
قال: وسمع أعرابي إماماً يقرأ: إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه، فأُرتج عليه فجعل يردد الآية. فقال: يا هذا إن لم يذهب نوح فأرسل غيره.
قال: وشرب أعرابي وعلى يساره ابن له فسقاه. فقال له جليسه: السنة أن تسقي من على يمينك. قال: قد علمت ولكنه أحب إلي من السنة.
قال: وقيل لابن رواح الطفيلي: كيف ابنك هذا؟ قال: ليس في الدنيا شيء مثله، سمع نادبةً خلف جنازةٍ وهي تقول: واسيداه! يُذهب بك إلى بيت ليس فيه ماء ولا طعام ولا فراش ولا وطاء، ولا غطاء ولا سراج ولا ضياء! فقال: يا ابه يذهبون به إلى بيتنا.
وقال بعضهم: جاء جماعة من أصحاب مزيد إليه فقالوا: قم بنا نتنزه فإنه يوم طيّب. فقال: هو يوم أربعاء. قالوا: فإن فيه وُلد يونس بن متى، عليه السلام. فقال: بأبي وأمي، صلى الله عليه، لا جرم أنه التقمه الحوت. قالوا: نُصر فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قال: أجل ولكن بعد إذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون.
وكان الحارث بن قيس الفزاري شيخاً أعمى وكان له ابن شيعي وابنة حرورية وامرأة ترى رأي المعتزلة، وكانوا جلوساً معه، فقال بيده عليهم وجسّهم ثم قال: إن الله جل وعز يحشرني وإياكم يوم القيامة طرائق قدداً.
وقال الجاحظ: قيل لرجل طويل اللحية: ما لك لا تأخذ من لحيتك؟ قال: لأصون بها عرضي، فإن الناس يقولون: انظر إلى لحيته كأنها طارةٌ، وخلق الله هذه اللحية، ولحيته كأنها جوالقٌ، ولا بارك الله في هذه اللحية، فما لي أعرض لشيء يصون عرضي؟ وحدث رجل من عامر بن لؤي قال: كان صبي منا ترك له أبوه غنماً وعبيداً فخرج يوماً فنظر إلى جارية في خبائها فهويها ومال إلى أمها وسألها أن تزوجها منه فقالت: حتى أسأل عن أخلاقك. فسأل عن أكرم الناس إليها فدلّ على شيخ كان معروفاً بحسن المحضر، فأتاه وسلّم علي. وقال: ما جاء بك؟ فأخبره. فقال: لا عليك فإن العجوز غير خارجة من رأيي فامض إلى منزلك وأقم يوماً أو يومين ومر بغنمك أن تُساق وناد في أهلك: أما من أراد أن يحلب فليأتنا، ودعني والأمر. فشاع الخبر فخرجت العجوز مع من خرج والشيخ مع القوم فنظر إلى الشاب وقد كانت العجوز أخبرته بشأنه فقال: هو هو! فقالت: نعم. قال: لقد حُرمت حظك. قالت: إني أريد أن أسأل عن أخلاقه. قال: أنا ربيته. قالت: فكيف لسانه؟ قال: خطيب أهله والمتكلم عنهم. قالت: فكيف سماحته؟ قال: ثمال في قومه وربيعهم. قالت: فكيف شجاعته؟ قال: حامي قومه والدافع عنهم. قال: فطلع الفتى، فقال: أما ترين ما أحسن ما أقبل ما انحنى ولا انثنى؟ فلما قرب سلّم، فقال: ما أحسن ما سلّم ما حار ولا ثار! ثم استوى جالساً، فقال: ما أحسن ما جلس ما ركع ولا عجر. قالت: أجل. فذهب يتحرك فضرط، فقال الشيخ: ما أحسن والله ما ضرط! ما أطنها ولا أغنها ولا نفخها ولا ترترها. فنهض الفتى خجلاً، فقال الشيخ: ما أحسن والله ما نهض ما انختل ولا انفتل! قالت العجوز: أجل والله فصح به وردّه فوالله لزوّجناه ولو خريء.