للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانوا إذا أصاب إبلهم العرّ كووا السليم ليذهب العرّ عن السقيم فأسقموا الصحيح من غير أن يبرأ السقيم. وكانوا إذا أوردوا البقر الماء فلم تشرب ضربوا الثور ليقتحم الماء فتتبعه البقر، فقال الشاعر في ذلك:

هجوني إذ هجرت جبال سلمى ... كضرب الثور للبقر الظماء

وقال غيره:

كما ضرب اليعسوب إن عاف باقرٌ ... وما ذنبه إن عافت الماء باقر

وقال غيره:

إذا عركت عجلٌ بنا ذنب طيّءٍ ... عركنا بتيم اللات ذنب بني عجل

وقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان:

وإن امرأً يمسي ويصبح سالماً ... من الناس إلا ما جنى لسعيد

قيل: وأُتي عبد الصمد بن علي بأناسٍ من الشطار فأمر بضربهم وحلق رؤوسهم ولحاهم. ففعل بهم ذلك، وكان فيهم رجلٌ سناطٌ فقيل له: إن هذا ليست له لحية فهل تزيده في الضرب؟ قال: لا ولكن احلقوا لحية هذا الشرطي مكانه.

[محاسن السطوة]

قيل: وبلغ من عدل هرمز بن كسرى أنوشروان أنه ركب ذات يوم إلى ساباط المدائن متنزهاً وكان ممرّه على كروم وبساتين وأن رجلاً من أساورته اطّلع على كرم فرأى فيه حصرماً غضاً فأمر غلامه فنزل إليه وأخذ من عناقيد، وقال له: انطلق به إلى المنزل ليطبخ مرقةً حصرمية. فأقبل حافظ ذلك الكرم فتعلّق بالغلام وصاح حتى بلغ ذلك صاحبه ففزع وتخوّف عقوبة الملك فدفع منطقته إلى حافظ ذلك الكرم، وكانت محلاة بالذهب مرصعة بالجوهر، فافتدى بها نفسه من عقوبة الملك ورأى أن لحافظ ذلك الكرم عليه الفضل.

وبلغ من عدله أيضاً أن ابنه أبرويز وقع مركب من مراكبه في بعض مسيرته في زرع على طريقه فأفسده فأقبل صاحب الزرع إلى ذلك المركب فأخذه وصار إلى الموكل بالنظر في مظالم الرعية فرفع أمره إلى الملك، فأمر الملك بالفرس أن تجدع أذناه ويقطع ذنبه ويغرّم صاحبه كسرى أبرويز مقدار مائة ضعف مما أفسد من ذلك الزرع. فخرج الموكل بذلك من عند الملك لينفذ أمر الملك في فرس ابنه، فتحمّل عليه ابنه بنفرٍ من عظماء المرازبة وسألوه أن يصفح عما أمر به الملك على أن يغرّم كسرى لصاحب الزرع ألفي ضعف ما أفسد المركب من زرعه. فلم يجبهم الموكل إلى ذلك وأخذ الفرس فجدع أذنيه وقطع ذنبه وغرّم كسرة مائة ضعف ما أفسد المركب من زرع الرجل وردّه عليه.

وحكي عن بهرام جوبين أن رجلاً من خاصته في مسيره إلى ملك الترك أخذ من امرأة أكّار سبذ تبن، فشكت ذلك إلى بهرام. فأمر الرجل فضربت عنقه ودفع سلبه إلى المرأة بدلاً من تبنها.

قيل: وبلغ من عدل كسرى أنوشروان أنه اتخذ وصيفتين وأمر أن تقوم واحدة عن يمينه وتقوم الأخرى عن شماله بأيديهما قضيبان من ذهب وهو جالس لينظر في أمور الناس. فكان إذا كاد أن تسهو حركتاه بالقضيب وقالتا له والرعية يسمعون: أيها الملك انتبه أنت مخلوق لا خالق، أنت عبد لا مولى، أنت فانٍ لا باقٍ، ليس بينك وبين الله جل وعز قرابة فانظر لنفسك وانصف الناس. فمضى على هذا حتى أتاه اليقين.

وقال أردشير: تعطيل الحدود تضرية للمجرمين، ويوم العدل على الظالم أمرّ من يوم الظالم على المظلوم.

المدائني قال: مرّ رجل من الدهاقين أيام زياد بحمار قد حُمل عليه خمر، فأخذه الحرس وقالوا: ألم تعلم أن الأمير قد نهى عن إدخال الخمر إلى مصر؟ قال: بلى، وهذا الخمر للأمير.

فلما بلغ زياداً ذلك قال: هذا رجل احتال للوصول إليّ. فدعا به وقال: ما أمرك؟ قال: لي أرض عند نهر المرأة فيها نخل، فأرسل ابن المرأة غلمانه ليصرموا بعض النخل فقلت لهم خذوا حاجتكم منها ولا تفسدوا، فأخذوا ما أرادوا وأتوه فأخبروه مقالتي، فأرسل إليّ وضربني وعقر نخلي.

فأرسل زياد معه رجلاً وقال له: انطلق به فإذا كنت قريباً من الأرض التي يذكر فسل من لقيت من رجل وامرأة عما يقول فإن اجتمعوا على مقالة واحدة ورأيت النخل قد عقر فخذ الذي أمر بقطعها فأجّله ثلاث ساعات، فإن أتاك بقيمة النخل لكل نخلة ألف درهم فخلّ سبيله، وإن مضت الثلاث الساعات ولم يأتك بذلك فاضرب عنقه وأتني برأسه. ومضى الرسول فسأل فكان الأمر كما حكاه، فأغرم قاطع النخل أربعين ألف درهم وحمل المال إلى زياد، فقال: لو أتيتني برأسه كان أحبّ إليّ. ودفع المال إلى صاحب النخل.

محاسن العفو

<<  <   >  >>