ثم قالت: يا معشر قريش والله ما معاوية بأمير المؤمنين ولا هو كما يزعم، هو والله شانيء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إني آتية معاوية وقائلة له بما يعرق منه جبينه ويكثر منه عويله. فكتب عامل معاوية إليه بذلك، فلما بلغه أن غانمة قد قربت منه أمر بدار ضيافة فنظّفت وألقي فيها فرش، فلما قربت من المدينة استقبلها يزيد في حشمه ومماليكه، فلما دخلت المدينة أتت دار أخيها عمرو بن غانم فقال لها يزيد: إن أبا عبد الرحمن يأمرك أن تصيري إلى دار ضيافته، وكانت لا تعرفه، فقالت: من أنت كلأك الله؟ قال: يزيد بن معاوية. قالت: فلا رعاك الله يا ناقص لست بزائد، فتمعّر لون يزيد، فأتى أباه فأخبره، فقال: هي أسنّ قريش وأعظمهم. فلما قال يزيد: كم تعدّ لها يا أمير المؤمنين؟ قال: كانت تعدّ على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أربعمائة عام وهي من بقية الكرام. فلما كان من الغد أتاها معاوية فسلّم عليها، فقالت: على المؤمنين السلام وعلى الكافرين الهوان. ثم قالت: من منكم ابن العاص؟ قال عمرو: ها أنا ذا. فقالت: وأنت تسبّ قريشاً وبني هاشم وأنت أهل السب وفيك السبّ وإليك يعود السبّ يا عمرو، إني والله لعارفة بعيوبك وعيوب أمك وإني أذكر لك ذلك عيباً عيبا. ولدت من أمة سوداء مجنونة حمقاء تبول من قيام ويعلوها اللئام، إذا لامسها الفحل كانت نطفتها أنفذ من نطفته، ركبها في يوم واحد أربعون رجلاً، وأما أنت فقد رأيتك غاوياً غير راشد ومفسداً غير صالح، ولقد رأيت فحل زوجتك على فراشك فما غرت ولا أنكرت، وأما أنت يا معاوية فما كنت في خير ولا ربيت في خير فما لك ولبني هاشم، أنساء بني أمية كنسائهم أم أعطى أمية ما أعطى هاشم في الجاهلية والإسلام؟ وكفى فخراً برسول الله، صلى الله عليه وسلم. فقال معاوية: أيتها الكبيرة أنا كافٌّ عن بني هاشم. قالت: فإني أكتب عليك عهداً، كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دعا ربه أن يستجيب لي خمس دعوات فأجعل تلك الدعوات كلها فيك. فخاف معاوية وحلف لها أن لا يسبّ بني هاشم أبداً. فهذا آخر ما كان بين معاوية وبني هاشم من المفاخرة، والله أعلم.