والله لو أن جبريلاً تكفل لي ... بالنصر ما خاطرت نفسي بجبريل
هل غير أن يعذلوني أنني فشلٌ ... فكلّ هذا نعم فاغروا بتعذيلي
إن أعتذر من فراري في الوغى أبداً ... فكان ذلك عذراً غير مقبول
اسمع أخبرك عن بأسي بذي سلمٍ ... خلاف بأس المساعير البهاليل
لما بدت منهم نحوي عشوْزنةٌ ... تشرّع الموت في عرضي وفي طولي
فقلت: ويحكم لا تذهبوا جلدي ... رمحي كسيرٌ وسيفي غير مسلول
لما اتقيتهم طوراً بذات يدٍ ... وانصعت أطوي الفر ميلاً إلى ميل
الله خلّصني منهم وفلسفتي ... حتى تخلّصت مخضوب السراويل
ولآخر:
أضحت تشجعني هندٌ وقد علمت ... أن الشجاعة مقرونٌ بها العطب
لا والذي حجّت الأنصار كعبته ... ما يشتهي الموت عندي من له أرب
للحرب قومٌ أضلّ الله سعيهم ... إذا دعتهم إلى حوماتها وثبوا
ولست منهم ولا أهوى فعالهم ... لا القتل يعجبني منهم ولا السلب
قطرب النحوي:
ما لي وما لك قد كلّفتني شططاً ... حمل السلاح وقول الدّارعين قف
أمن رجال المنايا خلتني رجلاً ... يمسي ويصبح مشتاقاً إلى التلف
تمشي المنون إلى غيري فأكرهها ... فكيف أمشي إليها عاري الكتف
هل خلت أن سواد الليل غيّرني ... وأن قلبي في جنبي أبي دلف
[محاسن النظر في المظالم]
قال: دخل رجل في جماعة من الناس على سليمان بن عبد الملك وهو جالس للعامة فقال: يا سليمان أذكّرك يوم الأذان. قال: فارتاع لما دعاه باسمه وقال: ويحك وما يوم الأذان؟ قال: قول الله جل ذكره: " فأذّن مؤذنٌ بينهم أن لعنة الله على الظالمين ". فبكى سليمان وقال له: ما حاجتك؟ فقال: أنا جار في ضيعتك الفلانية وقد ظلمني وكيلك فأضرّ ذلك بي وبعيالي. قال: قد وهبت لك الضيعة. وكتب إلى وكيله بتسليمها إليه.
قيل: وقدم رجل من حلوان مصر على عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، فقال: يا أمير المؤمنين إن والدك وليَ بلادنا فكتب إلى عبد الملك يخبره أن حلوان صافية وهي أرض خراج فأقطعها إياه فورثتها أنت وإخوتك فاتق الله ولا تظلمنا كما ظلمنا أبوك فإنه كان شيخاً ضعيف الخرج وأنت رجل مخرج.
فقال عمر: إن كان أبي كما ذكرت فهو أبي لا أبوك، نازعني منازعة جميلة ولا تشتم عرضي فإن لي فيها شركاء إخوة وأخوات لا يرضون أن أقضي فيها بغير قضاء قاضٍ، أقوم معك إلى القاضي فإن قضى لي اصطبرت وإن قضى لك سلّمت. قال: إن قمت معي إلى القاضي فقد أنصفتني. فقاما جميعاً إلى القاضي فقعدا بين يديه، فتكلم عمر بحجته وتكلم الرجل، فقضى القاضي للرجل. فقال عمر: إن عبد العزيز قد أنفق عليها ألف ألف درهم. فقال القاضي: قد أكلتم من غلتها بقدر ذلك. فقال عمر: وهل القضاء إلا هذا؟ لو قضيت لي وما وليت لي عملاً أبداً. فخرج إلى الرجل من حقه.
قال: ودخل نفر من القراء وفيهم رجل ذكر ظلامة له على عمر فقال: يا أمير المؤمنين اذكر مقامي هذا فإنه مقام لا يشغل الله جل وعز عنه كثرة من تخاصم إليه من الخلائق يوم تلقاه بلا ثقة من العمل ولا براءة من الذنوب.
فقال عمر: ويحك اردد كلامك! فرده عليه، فجعل يبكي وينتحب حتى إذا أفاق قال: ما حاجتك؟ قال: عاملك على أذربيجان ظلمني وأخذ من مالي عشرة آلاف درهم، فكتب بردّ ذلك عليه وبعزل عامله وقال: انظروا هل اخلولق له من ثوب أو تقطّع له من حذاء. فحسب ذلك فبلغ عشرين ديناراً فأمر بدفعها إليه.
قال: وبينا عمر، رحمه الله، يسير على بغلته إذ جاء رجل فتعلق بلجامها فقال: أتيتك بعيد الدار مظلوماً! قال له: من أين أنت؟ قال: من حضرموت أرضي وأرض آبائي أخذها الوليد وسليمان فأكلاها. فنزل عمر عن بغلته يبكي حتى جلس على الأرض ثم قال: من يعلم ذلك؟ قال: أهل البلد قاطبة.