قد يلحق الصغير بالجليل ... وإنما القرم من الأفيل
وسحق النخل من الفسيل
محاسن الدَّين
قيل: قدم رجل مع إسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة وهو على قضاء البصرة فأقام أكثر من سنة متعطلاً، فكثر عليه الدين لرجلٍ من أهل البصرة، فتوعده أن يقدمه إلى القاضي، فأتى الرجل إسماعيل فأخبره بما تخوّفه من حبس الرجل إياه. فقال: إذا قدّمك فأقرّ له بحقّه ثم قل أبيع داري وأقضيه، فإنه سيقول: لا دار لك، قل فأبيع دابتي وضيعتي، فإنه سينكر أن يكون لك شيء. ففعل فجرى بينهما ما قاله القاضي. فقال القاضي: قد أقررت أنه لا شيء له، فكيف أحبسه؟؟ فخلّ سبيله.
قال: وكان لرجل من التجار صاحب عينةٍ على رجل من الجند مالٌ فخرج عطاء الجندي ولم يقض صاحبه. فأرسل إليه التاجر غلاماً يلزمه وعلى الغلام كساءٌ أحمر فلزمه. فجعل الرجل يتلو: " وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ ". والغلام يتلو: " إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها ". فلما طال ذلك على الرجل واشتد إلحاح الغلام عليه أتى صاحبه فقال:
مُنع الرّقاد فما أغمّض ساعةً ... من غمّ تعذيب الكساء الأحمر
يتلو التي فيها الأمانة منهما ... لؤماً وأتلو آية المتيسر
فضحك الرجل ووهب له ما كان عليه من دينه.
مساوئ الدَّين
قال أبو اليقظان: كان الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب الشاعر يسلّف الناس فإذا حلّ ماله ركب حماراً اسمه شارب الريح فيقف على غُرمائه ويقول:
بني عمنا ردّوا الدراهم إنما ... يفرّق بين الناس حبُّ الدراهم
وكان رجل من بني الدئل عسر القضاء فإذا تعلّق به غرماؤه فرّ منهم وقال:
فلو كنت الحديد لكسّروني ... ولكني أشدّ من الحديد
فأقرضه الفضل بن العباس، فلما كان قبل المحل جاء فبنى معلفاً على باب داره، وكان يقال له عقرب. فلقي كلّ واحد منهما من صاحبه شدة فهجاه فقال:
قد تجرت في سوقنا عقربٌ ... يا عجبا للعقرب التاجره
قد ضاقت العقرب واستيقنت ... ليس لها دنيا ولا آخره
فإن تعد ترجع بما ساءها ... وكانت النعل لها حاضره
كلُّ عدوٍّ يتّقى مقبلاً ... وتُتّقى شِرّتها دابره
إن عدواً كيده في استه ... لغير ذي كيدٍ ولا بادره
قال: وقدّم أعرابيان غريماً لهما إلى قاض، فحلف ثم قال:
ألم تعلما أني طموحٌ عنانه ... وأني لا يقضي عليّ أمير
طمستُ الذي في الصك مني بحلفةٍ ... سيغفرها الرحمن وهو غفور
ولآخر:
أرى الغرماء قد كثروا وضجّوا ... إلى السلطان غير مُقصِّرينا
فإن سألوا اليمين فقد ربحنا ... وإن سألوا الشهود فقد خزينا
ولآخر:
الدين حقاً كاسمه دويُّ ... قد يخضعُ المرء له القويُّ
كم من شريفٍ غاظه غبيُّ
[محاسن إصلاح البدن]
قال: جمع الرشيد أربعة من الأطباء: عراقياً ورومياً وهندياً وسوادياً، فقال: ليصف كل واحد منهم الدواء الذي لا داء فيه. فقال الرومي: الدواء الذي لا داء فيه حب الرشاد الأبيض. وقال الهندي: الماء الحار. وقال العراقي: الإهليلج الأسود. وكان السوادي أبصرهم فقال له: تكلم. فقال: حب الرشاد يولد الرطوبة والماء الحار يرخي المعدة والإهليلج يرقّ المعدة. قال: فأنت ما تقول؟ قال: الدواء الذي لا داء فيه أن تقعد على الطعام وأنت تشتهيه وتقوم عنه وأنت تشتهيه.
وقال بعضهم: سألت أسقف فارس فقلت: إنا قوم نغترب ويتغير علينا المياه فصف لنا ما نتعالج به. فقال: دعوا الأدوية وعليكم بالأغذية وما يخرج من الضرع والنحل، وعليكم بأكل اللحم وشرب ماء الكرم ودخول الحمّام ولبس الكتان.
وعن الهيثم بن عدي قال: قلت لتياذوق وكان متطبب الحجاج: أوصني بشيء أحفظه عنك فإني مسافر. فقال: لا تنامن حتى تعرض نفسك على الخلاء، ولا تذوقن طعاماً وفي معدتك طعام، واتق ما تخرجه النعجة والنحلة، فإن اعتللت فأنا الضمين إلا علة الموت.
وقال سوادة: سألت بختيشوع ما معنى البلغم؟ فقال: تفسيره بلاء وغم.