عصيت الهوى وهجرت النساء ... وكنت دواءً فأصبحت داء
وما أنْس لا أنْس حتى الممات ... نزيب الظباء تجيب الظباء
دعيني وصبري على نائباتٍ ... فبالصبر نلت الثرى والثواء
وإن يك دهري لوى رأسه ... فقد لقي الدهر مني التواء
ليالي أروي صدور القنا ... وأروي بهن الصدور الظماء
ونحن إذا كان شرب المدام ... شربنا على الصافنات الدماء
بلغنا السماء بأنسابنا ... ولولا السماء لجزنا السماء
فحسبك من سوددٍ أننا ... بحسن البلاء كشفنا البلاء
يطيب الثناء لآبائنا ... وذكر عليٍ يزين الثناء
إذا ذكر الناس كنا ملوكاً ... وكانوا عبيداً وكانوا إماء
هجاني قومٌ ولم أهجهم ... أبى الله لي أن أقول الهجاء
وقال غيره:
وإني من القوم الذين عرفتهم ... إذا مات منهم سيدٌ قام صاحبه
نجوم السماء كلما انقض كوكبٌ ... بدا كوكبٌ تأوي إليه كواكبه
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظّم الجزع ثاقبه
فلا توعدني يا شريح فإنني ... كليث عرينٍ فرّ عنه ثعالبه
يمشي بأوصال الرجال إذا ستا ... قد احمرّ من نضخ الدماء مخالبه
وقال آخر:
حلماء حين يقول قائلهم ... بيض الوجوه مقاولٌ لسن
لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحفظ جواره فطن
وأحسن من ذلك كله قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد أتاه أعرابي فقال: بأبي أنت وأمي أكرم الناس حسباً! فقال: أحسنهم خلقاً وأفضلهم تقوى، فانصرف الأعرابي. فقال: ردوه، ثم قال: يا أعرابي لعلك أردت نسباً؟ قال: نعم. قال: يوسف صدّيق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله فأين مثل هؤلاء الآباء في جميع الدنيا! ما كان فيها مثلهم أبداً. وقال الشاعر:
ولم أر كالأسباط أبناء والدٍ ... ولا كأبيهم والداً حين ينسب
ودخل عيينة بن حصن الفزاري على النبي، صلى الله عليه وسلم، فانتسب ثم قال: أنا ابن الأشياخ الأكارم، فقال، صلى الله عليه وسلم: أنت إذاً يوسف صدّيق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله، وقال، صلى الله عليه وسلم: خير البشر آدم، عليه السلام، وخير العرب محمد، صلى الله عليه وسلم، وخير الفرس سلمان، وخير الروم صهيب، وخير الحبشة بلال، رحمهم الله أجمعين.
[مساوئ الافتخار]
روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا تفخروا بآبائكم في الجاهلية، فوالذي نفسي بيده لما يُدحرج الجعل بأنفه خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية.
قيل: وكان الحسن البصري يقول: ابن آدم لم تفتخر وإنما خرجت من مسيل بولين نطفة مشجت بأقذار؟ وقال بعضهم لرجل يتبختر: يا هذا إن أولك نطفة قذرة وآخرك جيفة منتنة وأنت فيما بينهما وعاء عذرة فما هذه المشية؟ قال: وقيل لعامر بن قيس: ما تقول في الإنسان؟ قال: ما أقول فيمن إن جاع ضرع وإن شبع طغى.
وروي عن ابن عباس أنه قال: يتفاضلون في الدنيا بالشرف والبيوتات والإمارات والعتاق والجمال والهيئة والمنطق ويتفاضلون في الآخرة بالتقوى واليقين، فأتقاهم أحسنهم يقيناً وأزكاهم عملاً وأرفعهم درجة أعقلهم، وقيل في ذلك:
يزين الفتى في الناس صحة عقله ... وإن كان محظوراً عليه مكاسبه
يشين الفتى في الناس قلة عقله ... وإن كرمت آباؤه ومناسبه
وقال بعض الحكماء: لا يكون الشرف بالحسب والنسب، ألا ترى أن أخوين لأب وأم يكون أحدهما أشرف من الآخر؟ ولو كان ذلك من قبل النسب لما كان لأحد منهم على الآخر فضلٌ لأن نسبهما واحد ولكن ذلك من قبل الأفعال لأن الشرف إنما هو فيه لا في النسب، وقال الشاعر في ذلك:
أبوك أبي والجدّ لا شك واحدٌ ... ولكننا عودان آسٌ وخروع