وقيل: إنه عزم الفضل بن الربيع على تطهير بعض ولده فأتى الرشيد فقال: يا سيدي قد عزم عبدك على تطهير ولده خدمك فإن رأى أمير المؤمنين أن يزين عبده بنفسه ويصل نعمته هذه بنعمته المتقدمة ويتم سروره فعل متفضلاً على عبده متمنناً بذلك. فقال: نعم. فغدا إليه وقد أصلح جميع ما يحتاج إليه ووضعت الموائد وقعد الناس يأكلون وأقبل الرشيد يدور في داره، فرأى صبياً صغيراً أول ما نطق فقال: يا صبي أيما أحسن داركم هذه أم دار أمير المؤمنين؟ فقال: دارنا هذه أحسن ما دام أمير المؤمنين فيها فإذا صار أمير المؤمنين إلى داره فداره أحسن. فضحك منه الرشيد وتعجب من نجابته ووهب له عشر قريات ومائة ألف درهم.
وقال مسلمة بن عبد الملك: ما شيء يؤتاه العبد بعد الإيمان بالله أحب إليّ من جواب حاضر، فإن الجواب إذا تعقب لم يك شيئاً. وأنشد في مثله في مالك بن أنس صاحب الفقه:
يأبى الجواب فما يراجع هيبةً ... والسائلون نواكس الأذقان
هذا التقي وعز سلطان التقى ... فهو المطاع وليس ذا سلطان
[مساوئ الجواب]
قيل: إنه اجتمع عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم، فذكر عمرو الزبرقان فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنه لمطاع في أدانيه شديد العارضة جواد الكف مانع لما وراء ظهره. فقال الزبرقان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله إنه ليعرف مني أكثر من هذا ولكنه يحسدني. فقال عمرو: والله يا نبي الله إنه لزمر المروءة ضيق العطن لئيم العم أحمق الخال، والله ما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الأخرى ولكني رضيت فقلت بأحسن ما أعلم وسخطت فقلت بأسوإ ما أعلم. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحراً.
وذكروا أن الوليد بن عقبة قال لعقيل بن أبي طالب: غلبك أبو تراب على الثروة والعدد. فقال له: نعم وسبقني وإياك إلى الجنة. فقال الوليد: أما والله إن شدقيك لمتوضمتان من دم عثمان. فقال عقيل: ما لك ولقريش وإنما أنت فيهم كمنيح الميسر. فقال الوليد: والله إني لأرى لو أن أهل الأرض اشتركوا في قتله لوردوا صعوداً. فقال له عقيل: كلا ما ترغب له عن صحبة أبيك.
قال: وقال المنصور لقواده: صدق القائل أجع كلبك يتبعك. فقال أبو العباس الطوسي: يا أمير المؤمنين أخاف أن يلوّح له رجل برغيف فيتبعه ويدعك.
قال: وقال رجل من قريش لخالد بن صفوان: ما اسمك؟ قال: خالد بن صفوان بن الأهتم. قال: إن اسمك لكذب ما أنت بخالد، وإن أباك لصفوان وهو حجر، وإن جدك لأهتم والصحيح خير من الأهتم. فقال له خالد: من أي قريش أنت؟ قال: من بني عبد الدار من هاشم. قال: لقد هشمتك هاشم، وأمتك أمية، وجمحت بك جمح، وخزمتك مخزوم، وأقصتك قصي فجعلتك عبدها وعبد دارها تفتح إذا دخلوا وتغلق إذا خرجوا.
قيل: ومرّ الفرزدق بالمربد فرأى خلف بن خليفة الشاعر، فقال للفرزدق: يا أبا فراس من القائل:
هو القين وابن القين لا قين مثله ... لقطع المساحي أو لقدّ الأداهم
فقال الفرزدق: الذي يقول:
هو اللص وابن اللص لا لص مثله ... لقطع جدارٍ أو لطرّ دراهم
قيل: ودخل أبو العتاهية على المأمون حين قدم العراق فأنشده شعراً يمدحه به، فأمر له بمال جزيل وأقبل عليه يحدثه إذ ذكر أبو العتاهية القدرية، فقال: يا أمير المؤمنين ما في الأرض فئة أجهل ولا أضعف حجة من هذه العصابة. فقال المأمون: أنت رجل شاعر وأنت بصناعتك أعلم فلا تتخطها إلى غيرها فلست تعرف الكلام. فقال: إن جمع أمير المؤمنين بيني وبين رجل منهم وقف على ما عندي من الكلام. قال ثمامة: فوجّه إليّ رسولاً، فلما دخلت قال: يا ثمامة زعم هذا أنه لا حجة لك ولا لأصحابك! قلت: فليسل عما بدا له.
فقال المأمون: سله يا إسماعيل. قال: أقطعه يا أمير المؤمنين بحرف واحد.