قيل: أهدى نعيمان الأنصاري إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جرة عسل وكانت فيه دعابة وكان اشتراها من أعرابي بدينار وأتى بالأعرابي إلى باب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال له: خذ الثمن من هاهنا. فلما قسمها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بين نسائه، قال له الأعرابي: أعطني يا رسول الله ثمن العسل. فقال، عليه السلام: هذه إحدى هنات نعيمان. وسأله: لم فعلت؟ فقال: أردت أن أبرّك يا رسول الله ولم يكن معي شيء. فتبسم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأعطى الأعرابي حقه.
وعن الهيثم قال: قدم تميم الداري من الشام وكان تاجراً فأتاه نعيمان وقال له: هل لك في غلام تاجر له فضل ودين؟ قال: وكيف لي به؟ قال: إنه إن علم ببيعنا إياه لم تنتفع به ولكن انطلق معي حتى أُريكه فإنه عندنا بمنزلة الولد. قال: فأدخله المسجد وأراه سويبط بن عبد العزى. فنظر إليه تميم فأعجبه فقال: بكم؟ قال: بمائة دينار. قال: هي لك. فأخذ منه المائة الدينار. فلما حضر شخوصه أتى نعيمان فقال: الغلام. فمضى معه إلى المسجد وقال: دونك الغلام. فجاء تميم وسويبط يصلي فصلى إلى جانبه ركعتين ثم قال له: خفف. فخفف وقال له: ما حاجتك؟ قال: قد باعك أهلك مني. قال: وأي أهلي؟ فارتفع الكلام بينهما حتى خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال: ما شأنكم؟ قال تميم: يا رسول الله باعنيه أهله. فقال، صلى الله عليه وسلم: إني لأظن أن نعيمان صاحبه، عليّ به. فلما جاء قال له: ويحك ما هذه؟ قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! تزوجت امرأة ولم يكن عندي نفقة ولا صداق أدفعه إليها ولم أجد إلا ما رأيت. فتبسم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال لتميم: هي لك عندنا.
وذكروا أن نعيمان مرّ ذات يوم بمخرمة بن نوفل الزهري الضرير في المسجد، فقال له مخرمة: خذ بيدي حتى أبول. فأخذ بيده حتى إذا كان في أقصى المسجد قال له: اجلس. فجلس يبول. فصاح به الناس: يا أبا المسور إنك في المسجد! قال: ومن قادني؟ قالوا: نعيمان. قال: والله لأضربنه بعصاي هذه إن وجدته. فأتاه نعيمان وقال له: يا أبا المسور هل لك في نعيمان؟ قال: نعم. قال: فأخذ بيده حتى أوقفه على عثمان بن عفان وهو خليفة وتنحّى عنه، فعلاه بعصاته ضرباً. فصاح به الناس: ضربت أمير المؤمنين! قال: ومن قادني؟ قالوا: نعيمان. قال: لا جرم لا تعرّضت له أبداً.
[مزاح الشعراء]
قيل: دخل أبو دلامة على المهدي فسلّم ثم قعد وأرخى عينيه بالبكاء. فقال له: ما لك؟ قال: ماتت أم دلامة. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! ودخلت له رقّةٌ لما رأى من جزعه، فقال له: أعظم الله أجرك يا أبا دلامة! وأمر أن يعطى ألف درهم وقال له: استعن بها في مصيبتك. فأخذها ودعا له وانصرف. فلما دخل إلى منزله قال لأم دلامة: اذهبي فاستأذني على الخيزران فإذا دخلت عليها فتباكي وقولي مات أبو دلامة. فمضت واستأذنت على الخيزران، فأذنت لها، فلما اطمأنت أرسلت عينها بالبكاء، فقالت لها: ما لك؟ فقالت: مات أبو دلامة. فقالت: إنا لله عظّم الله أجرك! وتوّجعت لها ثم أمرت لها بألفي درهم، فدعت لها وانصرفت. فلم يلبث المهدي أن دخل على الخيزران، فقالت: يا سيدي أما علمت أن أبا دلامة مات؟ قال: لا يا حبيبتي إنما هي امرأته أم دلامة. قالت: لا والله إلا أبو دلامة. فقال: خرج من عندي الساعة آنفاً. فقالت: خرجت من عندي الساعة. وأخبرته بخبرها وبكائها. فضحك وتعجّب من حيلهما.
قال: وكان أبو نواس ولعاً بأبي عبيدة معمر بن المثنى التيمي، فكتب على أسطوانة في مسجد بمقدار قامة وبسطة:
صلى الإله على لوطٍ وشيعته ... أبا عبيدة قل بالله آمينا
فأنت عندي بلا شكٍ بقيّتهم ... منذ احتلمتَ وجازوت الثمانينا
فقال لكيسان: ويحك أما رأيت هذا الفاجر وما صنع؟ قم بنا نحكه لئلا يراه الناس. فبرك أبو عبيدة وركبه كيسان ليحكه. فلما ثقل عليه قال له: أوجز. فقال له كيسان: قد بقي لوط. فقال: عجل حكّه فهو المعنى وعليه تدور فضيحتي.