للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحكي عن أبي عباد الكاتب أنه قال: كنت يوماً عند المأمون فدعا بالغداء وكان يستنزل من قام من مجلسه عند ذكر الطعام ويقول: هذا من أخلاق اللئام، فقدّموا إليه بطيخاً على أطباق جدد فجعل يقوّر بيده ويذوق البطيخة فإذا حمد حلاوتها قال: ادفع هذه بسكينتها إلى فلان. فقال لي وقد دفع إلي بطيخة كانت أحلى من الشهد المذاب: يا أبا عباد بم تستدل على حمق الرجل؟ قلت: يا أمير المؤمنين أما عند الله فعلامات كثيرة وأما عندي فإذا رأيت الرجل يحب الشاهلوج ويبغض البطيخ علمت أنه أحمق. قال: وهل تعرف صاحب هذه الصفة؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين الرستمي أحد من هذه صفته. قال: فدخل الرستمي على أمير المؤمنين، فقال له المأمون: ما تقول في البطيخ الرمشيّ؟ قال: يا أمير المؤمنين يفسد المعدة ويلطخها ويُرقّها، يرخي العصب ويرفع البخار إلى الرأس. قال: لم أسألك عن فعله إنما سألتك أشهي هو؟ قال: لا. قال: فما تقول في الشاهلوج؟ قال: سماه كسرى سيد أجناسه. قال: فالتفت المأمون إليّ وقال: الرجل الذي كنا في حديثه أمس من تلامذة كسرى في الحمق.

قال: ودخل أبو طالب صاحب الطعام على المأمون وكان أحمق فقال: كان أبوك يا أبا خيراً لنا منك وأنت يا أبا ليس تعدنا ولا تبعث إلينا ونحن يا أبا تجارك وجيرانك. قال: فجعل المأمون لا يزيده على التبسم.

قال: وقال مروان بن الحكم لرجل: إني أظنك أحمق. فقال: ظنٌ أو يقينٌ؟ قال: بل ظنّ. فقال: أحمق ما يكون الشيخ إذا استعمل ظنه.

ومما قيل فيهم من الشعر:

يا ثابت العقل كم عاينت ذا حمقٍ ... الرزق أغرى به من لازِمِ الجرب

وإنني واجدٌ في الناس واحدةً ... الرزق أروغ شيءٍ عن ذوي الأدب

وخصلةً ليس فيها من يخالفني ... الرزق والنُّوك مقرونان في سبب

ولآخر:

أرى زمناً نوكاه أسعد أهله ... على أنه يشقى به كلُّ عاقل

سعى فوقه رجلاه والرأس تحته ... فكُبّ الأعالي بارتفاع الأسافل

ولآخر:

رأيت الدهر بالأحرار يكبو ... ويرفع رتبة القوم اللئام

كأن الدهر موتورٌ حقودٌ ... يطالب ثأره عند الكرام

ولآخر:

كم من قويٍّ قويٍّ في تقلّبه ... مهذّب اللبّ عنه الرزق منحرف

ومن ضعيفٍ ضعيف العقل مختلطٍ ... كأنه من خليج البحر يغترف

[محاسن مضاحيك وألقاب]

قال: كان اسم الأقيشر المغيرة بن الأسود وكان يغضب إذا دعي بالأقيشر، فمرّ ذات يوم بقوم من بني عبس فقال بعضهم: يا أقيشر. فنظر إليه طويلاً وهو مغضب ثم قال:

أتدعوني الأقيشر ذاك إسمي ... وأدعوك ابن مطفئة السراج

تناجي خدنها بالليل سراً ... ورب الناس يعلم من تناجي

فسمي ذلك الرجل ابن مطفئة السراج وبذلك يعرف ولده إلى اليوم.

قال: وكان المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل عامل الحجاج على الكوفة، وكان يلقب أبا صفية، فاستعدت امرأة على زوجها، فأتاه صاحب العدوى عند المساء فأعلمه. فقال: نعم أغدو معها. فبات الرجل يقول لامرأته: لو قد أتيت الأمير لقلت أبا صفية إنها تفعل كذا وكذا، فيأمر من يوجعك ضرباً، وجعل يكرّر عليها بأبي صفية فحفظت الكنية وظنّت أنها كنيته، فلما تقدمت إليه قالت: أصلحك الله أبا صفية. فقال لها: أبو عبد الله عافاك الله. فأعادت. فقال لها: أبو عبد الله فأعادت. فقال: يا فاسقة أظنك ظالمة! خذ بيدها الخبيثة. وحكم للزوج عليها.

قال: وولّى يوسف بن عمر رجلاً من بني سُليم يلقب بأبي العاج، وكان يغضب منه، فقدّم إليه رجل خصماً له فقال: يا أبا العاج. فقال: أبو محمد يا ابن البظراء. فقال: أتقول هذا لأمي وقد حجّت! قال: لا يمنعها ما قلت من الحج.

فنّ منه في الطمع

قيل لأشعب: أي شيء بلغ من طمعك؟ قال: ناديت بصبيان ولعوا بي فقلت لهم لأنحيّهم عن نفسي: إن في دار بني فلان عرساً وهناك نثارٌ. فولوا عني مبادرين وجعلت أشتد معهم طمعاً في النثار.

<<  <   >  >>