وقيل أيضاً: هو أحمق من دغة، وهي مارية بنت مغنج تزوجت في بني العنبر وهي صغيرة، فلما أصابها المخاض ظنّت أنها تريد الخلاء فخرجت تبرّز فصاح الولد فجاءت منصرفةً فقالت: يا أمه هل يفتح الجعر فاه؟ قالت: نعم يدعو أباه. فسبّت بنو العنبر بذاك فقالوا لهم بنو الجعراء.
وقيل أيضاً: هو أحمق من الممهورة إحدى خدمتيها، وهي امرأة أخذها رجل ليفجر بها فقالت: لا أمكنك من نفسي حتى تمهرني. فقال: قد مهرتك إحدى خدمتيك، وهما خلخالاها، فرضيت ومكنّته من نفسها.
وقيل: هو أحمق من جهيزة، وهي عرس الذئب لأنها تدع ولدها وترضع ولد الضبع. وقال الكميت:
كما خامرت في حضنها أم عامرٍ ... لذي الحبل حتى عال أوسٌ عيالها
أوس هو الذئب.
وقيل: هو أحمق من نعامة، لأنها تدع الحضن على بيضتها وتحضن بيض نعامة أخرى، وقال ابن هرمة:
فإني وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكفّي زناداً شحاحا
كتاركةٍ بيضها بالعراء ... وملبسةٍ بيض أخرى جناحا
وقيل: هو أحمق من باقل، وكان اشترى عنزاً بأحد عشر درهما، فقالوا له: بكم اشتريت العنز؟ ففتح كفيه وفرّق أصابعه وأخرج لساناً، يريد أحد عشر درهماً، فعيّروه بذلك. وقيل: إن الذي اشتراه ظبي، فلما فتح أصابعه أفلت الظبي. وقالوا في باقل:
يلومون في حمقه باقلاً ... كأن الحماقة لم تُخلق
ولا تكثروا العذل في عيّه ... فللعيّ أجمل بالأموق
خروج اللسان وفتح البنان ... أحب إلينا من المنطق
قيل: وقدم وفد من العراق على سليمان بن عبد الملك فقضوا حوائجهم وانصرفوا. فقال رجل منهم: بلغني أن أمير المؤمنين يبرز للعامة فأنا أقيم بعدكم يوماً أو يومين فلعلي أن أراه وأسمع كلامه ثم أتبعكم. فلما كان في الغد برز سليمان للناس وجلس على سريره وأذن للعامة فدخلوا وفيهم العراقي. فجلس في سماط سليمان إلى جنب رجل أحمق من أهل الشأم. فقال له الأحمق: ممن الرجل؟ قال: أنا من أهل العراق. وقال: فعل الله بك وفعل، وجعل يشتمه ويذكر أباه وعرضه، وقال: مثلك يقعد في سماط أمير المؤمنين! والعراقيّ يناشده الله ويسأله أن يكفّ عنه فيأبى، إلى أن قال سليمان: أيكم يخبرني من الذي يقول:
أنخن القرون فعقّلْنَها ... كعطف العسيب عراجين ميلا
ويفسّر لنا قوله فله جارية برحالتها؟ والشامي مقبل على العراقي لا يفتر عن شتمه ويقول: يا جاسوس. فقال له: كفّ عني فإني أنفعك. قال: وهل معك خير؟ قال: نعم، قم فقل لأمير المؤمنين أنا أعرف من قال هذا وأفسره، فإذا قال: من قاله؟ فقل: امرؤ القيس، فإذا قال: ما عنى به؟ فقل: البطيخ. فقال الشاميّ: يا أمير المؤمنين أنا أعرف من قال هذا وأفسره. فقال: هات. قال: امرؤ القيس. فتبسم سليمان وقال: فما عنى به؟ قال: البطيخ. فضحك سليمان حتى استلقى على فراشه ثم قال: ويحك عمن أخذت هذا العلم؟ فقال: عن هذا العراقي. فأشار سليمان إلى العراقي فأقبل إليه، فقال له: من أنت؟ قال: رجل من أهل العراق كنت قدمت مع فلان وفلان فقضوا حوائجهم وانصرفوا فأقمت أرقب جلوس أمير المؤمنين فقعدت إلى هذا الشاميّ فلم يدع سباً ولا شتماً إلا استقبلني به. فقلت له كفّ عني فإني أنفعك، قل لأمير المؤمنين كذا وكذا، فكان منه ما قد سمعته. فضحك وقال: أتعرف أنت من قاله؟ قلت: كثيّر عزة. قال: وما عنى به؟ قلت: قرون الرأس، والعسيب الخادم، والعراجين قد اختلفوا فيه فقال بعضهم عناقيد الكرم وقال بعضهم عراجين النخل. فأمر له بجائزة سنيّة وقال له: الحق بأصحابك.