إن الخيار من البرية هاشمٌ ... وبنو أمية أرذل الأشرار
وبنو أمية عودهم من خِزوعٍ ... ولهاشم في المجد عود نضار
أما الدعاة إلى الجنان فهاشمٌ ... وبنو أمية من دعاة النار
وبهاشمٍ زكت البلاد وأعشبت ... وبنو أمية كالسراب الجاري
فلم يؤذن له في الدخول على أبي العباس ولم يصله أحد من بني هاشم، فولّى وهو يقول:
يا ليت جور بني مروان عاد لنا ... وأن عدل بني العباس في النار
قال: وقال المؤمل المحاربي: شخصت إلى المهدي وهو بالري فامتدحته فأمر لي بعشرين ألف درهم، فرُفع الخبر إلى المنصور فبعث قائداً إلى جسر النهروان يستبري القوافل، فلما وردت عليه قال: من أنت؟ قلت: أنا المؤمل أقبلت من عند الأمير من الري. فقال: إياك أردت! ثم أخذ بيدي فأدخلني على المنصور وهو بباب الذهب، فقال: أتيتَ غلاماً غراً فخدعته! فقلت: بل أتيتُ غلاماً غراً كريماً فخدعته فانخدع. فقال: أنشدني ما قلته فيه، فأنشدته:
هو المهدي إلا أن فيه ... مشابه صورة القمر المنير
تشابه ذا وذا فهما إذا ما ... أنارا يشكلان على البصير
فهذا في الظلام سراج ليلٍ ... وهذا بالنهار سراج نور
ولكن فضّل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابر والسرير
وبالملك العزيز فذا أميرٌ ... وماذا بالأمير ولا الوزير
ونقص الشهر يخمد ذا وهذا ... منيرٌ عند نقصان الشهور
فيا ابن خليفة الله المصفى ... به تعلو مفاخرة الفخور
لقد سبق الملوك أبوك حتى ... تراهم بين كابٍ أو أسير
وجئت وراءه تجري حثيثاً ... وما بك حين تجري من فتور
فقال الناس ما هذان إلا ... كما بين الخليق إلى الجدير
فإن بلغ الصغير مدى كبيرٍ ... فقد خُلق الصغير من الكبير
فقال: ما أحسن ما قلت ولكن لا يساوي ما أخذت، يا ربيع خذ منه ستة عشر ألفاً وخله وما سواها. قال: فحط والله الربيع ثقلي حتى أخذ مني ستة عشر ألفاً فما بقيت معي إلا نفيقة، فآليت على نفسي أن لا أدخل العراق وللمنصور بها ولاية، فلما بلغني موت المنصور واستخلاف المهدي قدمت بغداد وقد جعل المهدي على المظالم رجلاً يقال له ابن ثوبان، فرفعت إليه قصة أذكر فيها خبري فعرضها على المهدي، فضحك حتى استلقى وقال: هذه مظلمة أنا بها عارف، ردوا عليه ماله وزيدوا له عشرين ألفاً، فأخذتها وانصرفت.
قيل: ودخل عون على عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين هذا جرير بالباب يريد الدخول عليك. فقال عمر: ما أدري أن أحداً من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، يحجب عني. قال: إنه يريد إذناً خاصاً قال: أدخله. فخرج عون وأخذ بيده فأدخله، فشكا إليه طول المقام وشدة الحال وإلحاح الزمان وجهد العيال وسأله أن يأذن له في إنشاده شعراً. فقال: إن أمير المؤمنين لفي شغل عن الشعر. فقال: إنها رسالة من أهل الحجاز، قال: هاتها، فقال:
قد طال قولي إذا ما كنت مجتهداً ... يا رب عاف قوام الدين والبشر
خليفة الله ثم الله يحفظه ... عند المقام وإما كان في السفر
إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر
بذَّ الخليفة أن كانت له قدَراً ... كما أتى ربَّه موسى على قدر
ما زلت بعدك في دارٍ تؤرقني ... قد طال في الحي إصعادي ومنحدري
أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت ... أم قد كفاني الذي نُبئت من خبري
كم بالمواسم من شعثاء أرملةٍ ... ومن يتيمٍ ضعيف الصوت والنظر
أمسى حزيناً يبكي فقد والده ... كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر
إن تسه عنه فمن يرجو لفاقته ... أو تنح عنه فقد أنحيت من ضرر
أنت المبارك والمهدي سيرته ... تعصي الهوى وتقوم الليل بالسور
ما ينفع الحاضر المجهود بادينا ... ولا يعود لنا بادٍ على حضر