حمدون بن إسماعيل النديم قال: حضر العيد فعبّى المعتصم بالله خيله تعبيةً لم يسمع بمثلها ولم ير لأحد من ولد العباس شبيهٌ بها، وأمر بالطريق فمسح من باب قصره إلى المصلى ثم قسم ذلك على القوّاد وأعطى كلّ واحد منهم مصافّه، فلما كان قبل الفطر بيوم حضر القوّاد وأصحابهم في أجمل زيّ وأحسن هيأة فلزموا مصافّهم منذ وقت الظهر إلى أن ركب المعتصم بالله إلى المصلى، فكان الموضع الذي وقع لإبراهيم بن المهدي من بعد الحرسيّ بحذاء مسجد الخوارزمي وإبراهيم واقف وأصحابه في المصاف، فلما أصبح المعتصم أمر القواد الذين لم يرتبوا في المصاف بالمصير إلى المصلى على التعبية التي حدّها، ولبس ثيابه وجلس على كرسيّ ينتظر مضيّ القواد، فلما انقضى أمرهم تقدّم إلى الرجّالة في المسير بين يديه فتقدّم منهم سبعة آلاف ناشب من الموالي كل ثلاثمائة منهم في زيّ مخالف لزيّ الباقين وأربعة آلاف من المغاربة وأمر الشيعة فكانوا وراءه بالأعمدة وعدّتهم أربعة آلاف، وركبت لا أدري منزلتي أين هي ولا أعرف مرتبتي ولم أعلم أين أسير من الموكب، فلما وضع رجله في الركاب واستوى على سرجه التفت إليّ وقال: يا حمدون كن أنت خلفي، فلزمت مؤخر دابته، فلما خرج من باب القصر تلقّاه القواد وأصحاب المصافّ يخرج الرجل من مصافه فإذا قرب نزل وسلم عليه بالخلافة فيأمره بالركوب ويمضي حتى وصل إلى إبراهيم بن المهدي فنزل وسلم عليه بالخلافة فردّ عليه السلام فقال: كيف أنت يا إبراهيم وكيف حالك وكيف كنت في أيامك؟ اركب، فركب، فلما جاوزه التفت إليّ فقال: يا حمدون! قلت: لبيك يا أمير المؤمنين! قال: تذكر، قلت: أي والله يا سيدي، وأمسك، فنظرت في ما قال فلم أجدني أذكر شيئاً في ذلك الموضع مما يشبه ما كنا فيه، فنغص عليّ يومي وما رأيت من حسنه وسروري بالمرتبة التي أهلني بها، وقلت: الخلفاء لا يعاملون بالكذب ولا يجوز أن يسألني عند انصرافي عن هذا الأمر فلا يكون له عندي جواب ولا حقيقة، وتخوفت أن ينالني منه مكروه، فلم أزل واجماً في طريقي إلى وقت انصرافه ثم أجمعت على مغالطته إن أمكنني وأعمل الحيلة في التخلص إن يسألني، فلما استقر في مجلسه وبسط السماط وجلس القوّاد على مراتبهم للطعام أقبلت أخدم وأختلف ليست لي همة غير ما كان قاله لي لا أغفل عن ذلك حتى انقضى أمر السماط ورفع الستر ونهض أمير المؤمنين ودخل الحجرة ومضى إلى المرقد، فلم ألبث أن جاء الخادم وقال لي: أجب أمير المؤمنين، فمضيت فلما دخلت ضحك إليّ وقال: يا حمدون رأيت؟ قلت: نعم يا سيدي قد رأيت، فالحمد لله الذي بلغ بي هذا اليوم وأرانيه فما رأيت ولاسمعت لأحد من الخلفاء والملوك بأجلّ منه ولا أبهى ولا أحسن، قال: ويحك رأيت إبراهيم بن المهدي؟ قلت: نعم يا سيدي، قال: رأيت سلامه عليّ وردّي عليه ونزوله إليّ؟ قلت: نعم، فقال: إنه لما كان من أمره ما كان، يعني الخلافة، قسم الطريق في يوم عيد من منزله إلى المصلّى كقسمتي إياه في هذا اليوم بين قواده، فوقع موضعي منه الموضع الذي كان به هذا اليوم، فلما حاذاني نزلت فسلّمت عليه فردّ عليّ مثل ما رددته حرفاً حرفاً على ما قال لي، قال: فدعوت له وانفرج عني ما كنت فيه وتخلّى عني الغمّ والكرب، ثم قال: يا حمدون إني لم آكل شيئاً وأنا أنتظر أن تأكل معي فامض إلى حجرة الندماء فإنك تجد إبراهيم هنالك فاجلس إليه وعابثه وضاحكه وأجر له هذا الحديث وقل له إنك رأيته في ذلك اليوم فعل بي فعلي به في هذا اليوم وانظر إلى وجهه وكلامه وما يكون منه فعرفنيه على حقيقته واصدقني عنه وعجّل ولا تحتبس، قلت: نعم يا سيدي، فمضيت وقد دُفعتُ إلى أغلظ مما كنت فيه لعلمي بأن إبراهيم لو كان من حجرٍ لأثر فيه هذا القول وتغيّر وظهر منه ما يكره، وخفت أن يكون يأتي بما يسفك به دمه فمضيت حتى دخلت الحجرة فجلست إلى إبراهيم وفعلت ما أمرني به وأنا مبادر خوفاً من خادم يلحقني أو رسول فلا يمكنني معه تحسين الأمر وما يظهر لي منه، فقلت لإبراهيم: كيف رأيت يا سيدي هذا اليوم، أما أعجبك حسنه وما كان من تعبية أمير المؤمنين؟ قال: بلى والله إنه أعجبني فالحمد لله الذي بلّغنيه وأرانيه، وأطنب في الدعاء للمعتصم، فلما أمسك قلت: يا سيدي أذكرك في أيامك وقد ركبت فعبّيت شبيهاً بهذه التعبية وقسمت الطريق مثل هذه القسمة فوقع لأمير المؤمنين الموضع الذي