وابغ المكاسب من أزكى مطالبها ... من حيث تحمل حتى ينفد الأجل
ولآخر:
إذا ما أطال المرء مكثاً ببلدةٍ ... تقعبه من بعد حدّته نكس
ولو أن هذي الشمس دام طلوعها ... أو البدر لم يُحبب ولا حُبّت الشمس
فجل طالباً للرزق في الأرض واغترب ... ففي كل أرضٍ للفتى الأكل واللبس
ولآخر:
وإذا الديار تنكرت عن أهلها ... فدع الديار وأسرع التحويلا
ليس المقام عليك حتماً واجباً ... في بلدةٍ تدع العزيز ذليلا
ولآخر:
إذا خفت من دارٍ هواناً فإنما ... ينجيك من دار الهوان اجتنابها
ولآخر:
اصبر على حدث الزمان فإنما ... فرج الحوادث مثل حلّ عقال
وإذا رأيت من ابن عمك جفوةً ... فاشدد يديك بعاجل الترحال
إن المقام على الهوان مذلةٌ ... والعجز آفة حيلة المحتال
وقد قيل: في حب الوطن: أحق البلدان بنزعك إليه بلد امصّك حلب رضاعه.
وقيل: احفظ بلداً أرشحك غذاؤه، وارع حمىً أكنّك فناؤه.
وقيل: لا تشكون بلداً فيه قبائلك ولا أرضاً فيها قوابلك.
وقيل: من علامة الرشد أن تكون النفس إلى أوطانها مشتاقة وإلى مولدها توّاقة.
قيل: ولما خرج الرشيد إلى خراسان وصار بعقبة همذان أنشأ يقول:
حتى متى أنا في حلٍّ وترحال ... وطول همٍ بإدبارٍ وإقبال
ونازح الدار لا ينفك مغترباً ... عن الأحبة لا يدرون ما حالي
في مشرق الأرض طوراً ثم مغربها ... لا يخطر الموت من حرصي على بالي
ولو قنعت أتاني الرزق في دعةٍ ... إن القنوع الغنى لا كثرة المال
وذكروا أن أبا دلفٍ لما ولي الشام طال مقامه فحنّ إلى وطنه فكتب لى يزيد بن مخش:
أيزيد طالت غربةٌ ومقام ... وبكاً فأسعده البكاء حمام
أيزيد هل من مطمعٍ في أوبةٍ ... لمتيّمٍ طالت به الأيام
لعب الفراق بنومه فأفاته ... طيب الكرى فدموعه تسجام
ما نام عنه وإن رقدتم شوقه ... والشوق يسري والعيون نيام
والشوق ألزمه البكاء فنفسه ... حرّى وأذبل جسمه التّهمام
يا طائفاً أهدى السلام إلى فتىً ... تهدي إليّ سلامك الأحلام
أنى وكيف ينام صبٌ هائم ... أفضت إليه بسرّه الأقلام
يا جانب الأهواز جادك وابلٌ ... وسقاك من ديم الربيع رهام
كم فيك من شجنٍ ومأنس وحشةٍ ... ومحبّبٍ تُشفى به الأسقام
فلئن أحلّكما الزمان ببلدةٍ من دونها القفرات والآكام
وشواهقٌ تزع السحاب شوامخٌ ... ليست وإن دأب المطيّ ترام
.. . . أرى الأيام تجمع بيننا ... والدهر فيه مسرةٌ وغرام
أيزيد ساعدك الزمان وخاننا ... والدهر ليس لحالتيه دوام
تمسي ضجيع خريدةٍ ومضاجعي ... عضبٌ حديد الشفرتين حسام
وتجر أذيال النعيم مرفِّلاً ... وأظل يكسوني الشحوب قتام
متسربلاً حلق الحديد يحفّني ... لجبٌ يضيق به الفضاء لهام
من كل أشعث في الحديد مقنّعٍ ... ذرب الحسام كأنه ضرغام
والحرب حرفتنا وليست حرفةً ... إلا لمن هو في الوغى مقدام
نعري السيوف فلا تزال عريةً ... حتى تكون جفونهن الهام
ما للزمان اعتاقنا من بينكم ... فجرت علينا للزمان سهام
يا ليته إذ لم يدم إحسانه ... أن لا يكون لما أساء دوام
فبلغ شعره المأمون فقال: حنّ القاسم بن عيسى إلى وطنه، فأمره بالانصراف.
قال الأصمعي: قدم سعيد بن صمصم على الحسن بن سهل فأنشده القصيدة يصف فيها حنينه إلى سوء حاله بالبادية ويستميحه:
سقياً لحيٍّ باللوى عهدتهم ... منذ زمانٍ ثم هذا ربعهم
عهدتهم والعيش فيه غُرّةٌ ... ولم يناو الحدثان شعبهم