أبو عثمان قاضي الري عن الأعمش عن سعيد بن جبير قال: كان عبد الله بن عباس بمكة يحدث على شفير زمزم ونحن عنده، فلما قضى حديثه قام إليه رجل فقال: يا ابن عباس إني امرؤ من أهل الشام من أهل حمص، إنهم يتبرأون من علي بن أبي طالب، رضوان الله عليه، ويلعنونه. فقال: بل لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً، ألِبُعد قرابته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يكن أول ذكران العالمين إيماناً بالله ورسوله وأول من صلى وركع وعمل بأعمال البر؟ قال الشامي: إنهم والله ما ينكرون قرابته وسابقته غير أنهم يزعمون أنه قتل الناس. فقال ابن عباس: ثكلتهم أمهاتهم! إن علياً أعرف بالله عز وجل وبرسوله وبحكمهما منهم، فلم يقتل إلا من استحق القتل. قال: يا ابن عباس إن قومي جمعوا لي نفقة وأنا رسولهم إليك وأمينهم ولا يسعك أن تردني بغير حاجتي، فإن القوم هالكون في أمره ففرّج عنهم فرّج الله عنك. فقال ابن عباس: يا أخا أهل الشام إنما مثل علي في هذه الأمة في فضله وعلمه كمثل العبد الصالح الذي لقيه موسى، عليه السلام، لما انتهى إلى ساحل البحر فقال له: هل أتّبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً؟ قال العالم: إنك لن تستطيع معي صبراً، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً؟ قال موسى: ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً. قال له العالم: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً. فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها، وكان قد خرقها لله جل وعز رضىً ولأهلها صلاحاً، وكان عند موسى، عليه السلام، سخطاً وفساداً فلم يصبر موسى وترك ما ضمن له فقال: أخرقتها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئاً إمراً! قال له العالم: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً؟ قال موسى: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً. فكف عنه العالم، فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله، وكان قتله لله جل وعز رضىً ولأبويه صلاحاً، وكان عند موسى، عليه السلام، ذنباً عظيماً، قال موسى ولم يصبر: أقتلت نفساً زكية بغير نفس؟ لقد جئت شيئاً نكراً! قال العالم: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً؟ قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني، قد بلغت من لدني عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه، وكان إقامته لله عز وجل رضىً وللعالمين صلاحاً، فقال: لو شئت لاتخذت عليه أجراً، قال: هذا فراق بيني وبينك. وكان العالم أعلم بما يأتي موسى، عليه السلام، وكبر على موسى الحق وعظم إذ لم يكن يعرفه هذا وهو نبي مرسل من أولي العزم ممن قد أخذ الله جل وعز ميثاقه على النبوة، فكيف أنت يا أخا أهل الشام وأصحابك؟ إن علياً، رضي الله عنه، لم يقتل إلا من كان يستحل قتله، وإني أخبرك أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان عند أم سلمة بنت أبي أمية إذ أقبل علي، عليه السلام، يريد الدخول على النبي، صلى الله عليه وسلم، فنقر نقراً خفياً فعرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نقره فقال: يا أم سلمة قومي فافتحي الباب. فقالت: يا رسول الله من هذا الذي يبلغ خطره أن استقبله بمحاسني ومعاصمي؟ فقال: يا أم سلمة إن طاعتي طاعة الله جل وعز، قال:" ومن يطع الرسول فقد أطاع الله " قومي يا أم سلمة فإن بالباب رجلاً ليس بالخرق ولا النزق ولا بالعجل في أمره يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يا أم سلمة إنه إن تفتحي الباب له فلن يدخل حتى يخفى عليه الوطء، فلم يدخل حتى غابت عنه وخفي عليه الوطء، فلما لم يحس لها حركة دفع الباب ودخل فسلم على النبي، صلى الله عليه وسلم، فردّ عليه السلام وقال: يا أم سلمة هل تعرفين هذا؟ قالت: نعم هذا علي بن أبي طالب. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: نعم هذا علي سيط لحمه بلحمي ودمه بدمي وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي يا أم سلمة، هذا علي سيد مبجَّل مؤمَّل المسلمين وأمير المؤمنين وموضع سرّي وعلمي وبابي الذي أُوِيَ إليه، وهو الوصيّ على أهل بيتي وعلى الأخيار من أمتي، وهو أخي في الدنيا والآخرة وهو معي في السّناء الأعلى، اشهدي يا أم سلمة أن علياً يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. قال ابن عباس: وقتلهم لله رضىً وللأمة صلاحٌ ولأهل الضلالة سخط. قال الشاميّ: يا ابن